للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المطبوعات الجديدة

(شرح نهج البلاغة)
للشيخ عز الدين أبي حامد عبد الحميد، الشهير بابن أبي الحديد.
قد اشتهر نهج البلاغة في سورية ومصر وسائر البلاد العربية بشرح
الأستاذ الإمام له، وكثر استفادة الناس من هدايته وبلاغته، فلو كان شرح
ابن أبي الحديد له قاصرًا على تفسير غريبه، وبيان ما لا تصل إليه جميع
الأفهام من معاني جمله وأسرار حكمه، لكان لنا في تعليقات الأستاذ الإمام
غنى عنه، ولكن هذا الشرح كتاب من أجمع الكتب في الأدب والتاريخ
والكلام والفقه والخلاف والجدل، وقد وصفه مؤلفه أبلغ وصف وأجمعه
بقوله عن نفسه:
وشرع فيه بادي الرأي شروع مختصر، وعلى ذكر الغريب والمعنى
مقتصر، ثم تعقب الفكر، فرأى أن هذه النغبة لا تشفي أوامًا، ولا تزيد
الحائم إلا حيامًا، فتنكب ذلك المسلك، ورفض ذلك المنهج، وبسط القول
في شرحه بسطًا اشتمل على الغريب والمعاني وعلم البيان، وما عساه
يشتبه ويشكل من الإعراب والتصريف، وأورد في كل موضع ما يطابقه
من النظائر والأشباه نثرًا ونظمًا، وذكر ما يتضمنه من السير والوقائع
والأحداث فصلاً فصلاً، وأشار إلى ما ينطوي عليه من رقائق علم التوحيد
والعدل إشارة خفيفة، ولوَّح إلى ما يستدعي الشَّرْح ذِكْره من الأنسابِ
والأمثالِ والنكت تلويحات لطيفة، ورصعه من المواعظ الزهدية والزواجر
الدينية والحكم النفسية والآداب الخلقية المناسبة لفقره، والمشاكلة لدرره،
والمنتظمة مع معانيه في سمط، والمنسقة مع جواهره في لط، بما يهزأ
بشنوف النضار، ويخجل قطع الروض غب القطار، وأوضح ما يومئ
إليه من المسائل الفقهية، وبرهن على أن كثيرًا من فصوله داخل في باب
المعجزات المحمدية، لاشتمالها على الأخبار الغيبية، وخروجها عن وسع
الطبيعة البشرية، وبيَّن من مقامات العارفين التي يرمز إليها في كلامه ما
لا يعقله إلا العالمون، ولا يدركه إلا الروحانيون المقربون، وكشف عن
مقاصده عليه السلام في لفظة يرسلها، ومعضلة يكني عنها، وغامضة
يعرض بها، وخفايا يجمجم بذكرها، وهنَّات تجيش في صدره فينفث بها
نفثة المصدور، ومرمضات مؤلمات يشكوها فيستريح بشكواها استراحة
المكروب، فخرج هذا الكتاب كتابًا كاملاً في فنه، واحدًا بَيْنَ أبناءِ جنسِهِ،
ممتعًا بمحاسنِهِ، إلخ.
والمصنف من المعتزلة وهم متفقون على أن بيعة أبي بكر بيعة
شرعية صحيحة وكذا بيعة سائر الخلفاء الأربعة واختلفوا في التفضيل
فبعضهم كالأشعرية يجعلون ترتيب الخلفاء الأربعة في الفضل كترتيبهم في
الخلافة ومن هؤلاء عمرو بن عبيد والجاحظ والنظَّام وغيرهم من قدماء
البصريين، وبعضهم يفضل عليًّا على الجميع وذكر أن الجبائي والقاضي
عبد الجبار ذهب إلى ذلك في آخر عمرهما، وبعضهم توقَّف في التفضيل،
وقطع بعض هؤلاء بتفضيل علي على عثمان، وإنما توقف في التفضيل
بينه وبين أبي بكر وعمر، والمصنف على رأي من يفضلون عليًّا على
الجميع رضي الله تعالى عنهم.
إن هذا الشارح على تشيُّعِه لأمير المؤمنين لم يكن مقلدًا لطائفة
الشيعة؛ بل كثيرًا ما يفند أقوالهم في بعض المسائل ولا سيَّما الطعن في
الشيخين، ويورد كلام قاضي القضاة عبد الجبار من شيوخهم في رد كلام
الشيعة ورد الشريف المرتضى عليه ويحكم بينهما بالاستقلال. ولكنني
رأيته التزم التسليم على علي كلما ذُكِرَ حتى في الحكاية عن الصحابة وعن
الجاهلية - ولم يكن هذا من عرفهم - ولا يقول عند ذكر أبي بكر ولا
عمر، دع من دونهما من الصحابة، كلمة رضي الله عنه لا في كلامه ولا
في نقوله عن علماء أهل السنة الذين جرت عادتهم بذلك، على أنه يقولها
عند ذكر شيوخ المعتزلة، فهل يصح أن يتعمد هذا وهو معتقد صحة
خلافتهما ويورد كثيرًا من مناقبهما وفضائلهما؟ أم محا دعاءه لهما من
نسخ الكتاب بعض غلاة الشيعة؟ الله أعلم، ويمكن أن يقال: إن كان تعمَّد
ذلك فهو فيه مصانع للوزير ابن العلقمي الشيعي المشهور الذي جعل الكتاب
باسمه وأهداه إلى خزانته، والمصانع غير عدل فلا يوثق به، وإن كان
ذلك من تصرف نساخ الكتاب من غلاة الشيعة فهو تصرف لا أراه مزيد
قوة في نصر الكتاب لهم؛ بل ربما كان ضعفًا؛ لأنه يفتح الباب لرمي
المصنف بالهوى أو المصانعة ولا يبقى مجال للقول بأنه ليس سُنِّيًّا ولا
شيعيًّا فيكون حكمه في مسائل الخلاف بين الطائفتين أقرب إلى الإنصاف،
وأبعد عن الاعتساف.
على أن العبرة بقوة الدليل لمن كان من أهله، والمصنف ضليع في
الدلائل العقلية واللغوية إلا أنه على سعة اطلاعه في المنقول ليس من أهل
النقد والتمحيص في علم الرواية فلا يعتد بنقله لذاته في باب الحجة إلا أن
يعزوه إلى الثقات كالصحيحين، وكثيرًا ما ينقل عنهما، وفيما عدا ذلك ينظر في
تصحيح الرواية التي يراد الاستدلال بها.
وجملة القول أن هذا الكتاب من أعظم المصنفات العربية في الفنون
التي أشرنا إليها، يجد الناظر فيه من فنون العلم والأدب ما لا يجده مجموعًا في
غيره، فهو مما يحتاج إليه كل متكلم وجدلي ومؤرخ وأديب، وقد كان أعز
من بيض الأنوق، وأبعد على منال ناشديه من العيوق، فقرب مناله ودنت
قطوفه بطبعه وبقلة ثمنه، فقد طبع في مطبعة البابي الحلبي بمصر، فكان
أربع مجلدات كبيرة يباع في مكتبته المشهورة، وثمنه ١٠٠ قرش.
* * *
(كتاب المجازات النبوية)
للشريف الرضي الشهير؛ كتاب في بيان مجازات القرآن وكتاب في
مجازات الحديث لم ينسج على منوالهما ناسج، ولم يسبقه إلى مثلهما سابق
ولم يلحقه لاحق، والمراد بالمجازات ضروب المجاز في البيان، ومن
أجدر من الشريف الرضي وهو إمام البلاغة وقائد فرسانها، بشرح ما
ينطوي في كلام جده صلى الله عليه وآله وسلم من فنونها، واقتطاف ما
يتدلى من أفنانها، ألا إن هذا الكتاب خير أستاذ تؤخذ عنه البلاغة، وتتلقى
عنه الفصاحة، ويتعلم منه كيف تستخرج درر المعاني من أصدافِهَا،
وكيف تجري دراري الهداية في أفلاكها، وقد طبع كتاب المجازات النبوية
في مطبعة الآداب ببغداد على ورق نظيف؛ ولكن لم يعن طابعه بتصحيحه
كما يجب فقد كَثُرَ فيه الغلطُ والتحريفُ ويمزج فيه الشعر والرجز بالكلام
أحيانًا لا يميز بعضه من بعض، ولعلنا ننقل للقراء فيما يأتي من الأجزاء
نموذجًا منه، يعلمون به أنه على عدم العناية بتصحيحه لا يستغنى عنه.
* * *
(كتاب التنبيه)
هذا الكتاب كان عمدة الشافعية منذ وضعه كبير فقهائهم الشيخ أبو
إسحاق الشيرازي إلى أن ظهرت وانتشرت كتب النووي ثم شروحها
للرملي وابن حجر وكتب الشيخ زكريا الأنصاري وكانوا إذا ترجموا فقيهًا
شافعيًّا قالوا إنه حفظ التنبيه أو قرأ التنبيه، وقد طبع التنبيه في مطبعة
البابي الحلبي وطبع على هامشه تصحيح التنبيه للنووي؛ وهو شرح وجيز
له ويباع ببضعة قروش في دار الكتب العربية الكبرى.
* * *
(مطبوعات الشيخ محمد جمال الدين القاسمي)
بارك الله تعالى في وقت صديقنا القاسمي وعمره فإنه يخرج لنا في
كل عام كتابًا أو كتبًا من تأليفه أو مما يختاره من آثار علمائنا النافعة،
وبين يدينا الآن أربعة مصنفات مطبوعة مما ألفه واختاره وقد نشرت في
هذا العام وهي:
لقطة العجلان: للشيخ بدر الدين الزركشي من فقهاء الشافعية في
القرن الثامن، وهو كتاب وجيز أو رسالة في مقدمات ومهمات مسائل
العلوم العالية من الفلسفة وأصول الحديث وأصول الفقه وأصول العقائد
والمنطق - وقد أطال فيه - والهيئة.
قال الزركشي رحمه الله تعالى: إنه جمع هذه المسائل لسؤال بعض
الإخوان لتستعمل عند المناظرة، وتعين على الدخول في فنون العقول لدى
المحاورة، وقد شرحها الشيخ القاسمي شرحًا لا يقل عن ضعفي الأصل
ووضعه في أواخر الصفحات معلمًا على مواضع الشرح بالأرقام، وطبع
على نفقة صديقنا محمد عبد الخالق أفندي إسماعيل من فضلاء الإسكندرية،
وثمن النسخة منه ٣ قروش.
تنبيه الطالب إلى معرفة الفرض والواجب: رسالة للقاسمي اشتملت
على ما ينيف على مئة قاعدة من قواعد الواجب المقررة في علم الأصول
والمأثورة عن الأئمة المحققين، كذا كتب المؤلف، وأقول هي ١٠٣
مسائل أو مباحث معدودة بالأرقام ربما كان أكثرها في أحكام الواجب
وروعي في التسمية الغالب. وهذه المسائل نافعة لطلاب العلم - إن شاء
الله تعالى - ولا سيما في البلاد التي قلَّ فيها الاشتغال بعلم الأصول وهجرت كتبه
النافعة، وقد طبعت هذه الرسالة أيضًا على نفقة صديقنا محمد عبد الخالق
أفندي إسماعيل تبرع بطبعها وطبع ما قبلها تبرعًا حبًّا بنشر العلم.
وثمنها قرشان.
إرشاد الخلق إلى العمل بخبر البرق: كتاب جديد للقاسمي في جواز
العمل بخبر التلغراف شرعًا، وفيه مباحث نافعة لا يستغني طلاب العلوم
الشرعية عن تدبرها منها في المقدمة أن الإسلام موافق لنواميس العمران،
وأنه لا يخلو عصرٌ من قائمٍ لله بالحجةِ، وأن الاجتهاد في الوقائع الحادثة
ضروري لا بد منه، وأما المقصد فيدخل في ثلاثة أبواب أولها في مدارك
أصولية لمسألة التلغراف وتحته ١٥ فصلاً، وثانيها في مدارك ومآخذ
فروعية للمسألة وتحته ٧ فصول، وثالثها في الاستدلال على العمل بخبر
التلغراف في الصوم والفطر وتحته ١٥ فصلاً، ويلي ذلك خاتمة في معنى
التلغراف وتاريخه وما نظم فيه من الشعر وما يناسبه من الآلات المخترعة
في هذا العصر وفيما كان يستعمل في الزمن الماضي لنقل الأخبار
كالمشاعل والمناور في الجبال وحمام الرسائل.
ويلي ذلك طائفة من الفتاوى في العمل بالتلغراف للعلماء المتأخرين
المشهورين في مصر والشام والعراق، وقد بلغت صفحات هذا الكتاب
بالطبع أكثر من مائة صفحة من قطع المنار بمثل حروفه، وثمنه خمسة قروش
صحيحة.
الفتوى في الإسلام: رسالة أو كتيب للقاسمي بحث فيه عن منشأ
الفتوى في الإسلام، وكيف كانت في القرون الثلاثة الأولى وفيما بعدها، وأول
من قام بهذا المنصب وما قاله الفقهاء في شروط المفتي وآدابه وتغيير
الفتوى بتغيير الأحوال، وغير ذلك من المسائل والفوائد، وصفحات هذه
الرسالة ٧٢ كصفحات المنار، وتطلب كسائر مؤلفات القاسمي من مكتبة
المنار بشارع عبد العزيز بمصر.
* * *
(مطبوعات الدكتور محمد أفندي عبد الحميد)
طبيب مستشفى قليوب
إن لضعف العلوم والفنون في بلادنا وعدم نبوغ أحد من المشتغلين
بها مِنَّا أسباب أقواها وأظهرها أن أكثر طلاب العلوم عندنا لا يطلبونها
لأجل العمل بها ولا لأجل أن يكونوا فيها أئمة مستقلين يحققون ويحررون،
ويكتشفون ويخترعون؛ بل يتلقون بعض المبادئ، ويحفظون بعض
الاصطلاحات ليؤدوا بها امتحانًا يأخذون به شهادة ينالون بها رزقًا
مضمونًا من الحكومة في الأكثر ومن غير الحكومة في الأقل، ومتى
وصل أحدهم إلى هذه الغاية أو يئس من الوصول إليها يترك العلم والكتب
ولا يكاد يبقى عنده مما تعلمه إلا الرطانة الإفرنجية التي يكون حظه منها
جذبه إلى إضاعة ما تصل إليه يده من المال في سوق الأزياء والعادات
والشهوات، وجرف ما يستطيع جرفه من ثروة البلاد إلى أوربة.
وأما الذين يتلقون العلوم التي لا ينال المعاش إلا بالعمل بها كالطب
والهندسة؛ فإنهم في الغالب يقنعون بعد نيل الشهادة بالوظيفة والعمل الذي به
الرزق، وقلما تتوجه همة أحد منهم إلى مداومة المطالعة والبحث والتأليف
والترجمة لتنمو علومهم ويبرعوا في أعمالهم، ويرتقوا عن طبقة الصناع
الذين لا ينفعون البلاد إلا نفعًا جزئيًّا يزول بزوالهم، إلى طبقة العلماء
الذين تعم منافعهم، ويتركون الآثار الصالحة لمن بعدهم.
ونحمد الله تعالى أننا كدنا ندخل في دور العلم الصحيح النامي بهمة
بعض المتخرجين في هذه السنين، فبينا الدكتور محمد توفيق أفندي صدقي الطبيب
في سجن طرة يبحث ويكتب ويؤلف بين الدين الصحيح والعلم الصحيح
إذا نحن بطبيب آخر قد أتحفنا في هذين العامين بعدة مصنفات طبية
جراحية نافعة وهي:
١- التشخيص الجراحي: وهو سفر كبير صفحاته ٦٥٦ صفحة
بقطع المنار ما عدا المقدمة والفهرس، يبحث فيه عن تشخيص جميع
أجزاء البدن في الأمراض والعلل التي تعالج بالأعمال الجراحية،
وليس نفعه خاصًّا بالجراحين؛ بل يمكن أن يستفيد منه كل قارئ في
الجملة وإن لم يفهم كل ما يقرؤه منه، وقد طبع طبعًا حسنًا على ورق
جيد، وثمن النسخة منه خمسون قرشًا صحيحًا.
٢- الحمل خارج الرحم: الحمل أنواع، ويعرض للنساء في المعتاد
وغير المعتاد منه أمراض كثيرة، ومن تلك الأنواع الحمل ما يقع خارج الرحم
وهو الذي ألف فيه هذا الكتاب المختصر المفيد، وفيه ذكر أنواع أخرى
من الحمل وأمراضه ومعالجتها وصفحاته ٦٨ صفحة كصفحات رسالة
التوحيد، وثمنه عشرة قروش.
٣- العملية القيصرية: رسالة صفحاتها ٣٩ صفحة كصفحات رسالة
التوحيد أيضًا شرح فيها هذه العملية التي تعمل في الرحم بشقه بعد شق
البطن ثم خياطته أو استئصاله، وثمنها خمسة قروش.
٤- العلاج بعد العمليات: لم أر هذا المصنف بين ما أرسله إلينا
المؤلف من مطبوعاته فلا أدري أرسله واختزل دوني أم لم يطبعه،
واسمه يدل على موضوعه.
٥- سركليومبير: قصة من تأليف السر آرثر كونان دويل،
وترجمها الدكتور محمد عبد الحميد عن الإنكليزية، ولم يأذن لي الوقت بقراءة
شيء منها وصفحاتها ٢١٦ صفحة كصفحات الرسائل المذكورة قبلها،
وثمنها ٥ قروش صحيحة، وتطلب المطبوعات المذكورة من مكتبة المنار وغيرها.
وإنني أقترح على الدكتور أن يجعل لكل كتاب يصنفه أو يترجمه
مقدمة وجيزة يبين فيها موضوع الكتاب ومكانته وفائدته، والمواد التي
استعان بها على تأليفه، ويجعل له فهرسًا مفصلاً فإني رأيته لم يجعل لكتبه
الصغيرة فهارس، ورأيت فهرس كتاب التشخيص الجراحي موجزًا لم يذكر
فيه إلا عناوين الفصول دون ما فيها من المباحث المفصلة التي تستحق أن
يجعل لها فهرس مرتب على حروف المعجم.
* * *
(البيان)
مجلة تبحث في الأدب والتاريخ والفلسفة والأخلاق والتربية
والاجتماع والنقد والروايات والقصص والصحة وتدبير المنزل، وتعنى
بنشر آثار الغرب وآثار العرب، وتضرب بسهم في كل فن ومطلب،
صاحبها الشيخ عبد الرحمن البرقوقي، ويساعده في تحريرها محمد أفندي
السباعي وهي بحجم المنار، وتصدر مثله في آخر كل شهر عربي وقيمة
الاشتراك فيها ٥٠ قرشًا مصريًّا في السنة تدفع مقدمًا.
ماذا ينوي أو يحب صاحب هذا المجلة أن تتقنه مجلته وماذا يرجى
من عنايته بها؟ كتب في مقدمة الجزء الأول منها أنه سأل الأستاذ الإمام:
كيف يكتب العالم وكيف يكتب الصحفي، وكيف يكتب الأديب، وما هي
مفاصل الحدود بين الثلاث؟
قال: فنظر إلي رحمه الله نظرته التي تنفذ إلى أعماق النفس فتكشف جوانبها،
وتتصفح جهاتها، وتقابل فيها بين معاقد الأمل ومقاصده، وقال: أراك تمتهد
لغرض وإن وراء لفظك القلق لمعنى مطمئنًا، ويخيل إلي أن لك هوى في مزاولة
الصحافة. قلت: هو ذاك يا مولاي، وما بي أن أعلم إلا ما أعمل وإلا فأين أقع
من أدبك إذن؟
قال: فاعلم أن الحقائق النفسية مطلقة لا قيد لها، وأن الحد لا يثبت على
الحقيقة بتمامها، وهي معنى الكمال إلا إذا كان للكمال المطلق حد محدود، وإنما تؤتى
هذه الحقائق من جهة العرف، وتنتقص من مواضعات الناس، وأنت خبير بأن
مجرى العرف في أمة من الأمم لا يكون إلا بحسب ما في مجموعها العقلي من القوة
أو الضعف، فقد اصطلحنا في بلادنا على أن من يحفظ كتابًا أو يقرأ درسًا أو يقرر
مسألة يسمى عالمًا، ثم توسعنا في ذلك حتى صار من يحمل كتابًا أو درسًا في
ملزمةٍ من كتاب أو مسألة من درس يسمى عالمًا أيضًا.
وتواطأنا على أن من ينشئ صحيفة وإن كتبها غيره وكان هو
وصحبه كل قرائها سميناه صحفيًّا كذا، ثم غلونا في ذلك حتى صار كل
من يقرأ صحيفة يرى من هوان الحرفة عليه أن أيسر الأشياء عملاً أن
يكون صاحب تلك الصحيفة أو كصاحبها.
وتواضعنا من قديم على أن من يحفظ قطعة من اللغة نظمها ونثرها
سميناه أديبًا؛ وإن كان يرى الأمم الحية بعينيه وهو نفسه كبعض الموتى
لا أثر له في قومه ولا لغته، ثم بالغنا في ذلك حتى صار كل من يحصل
على شذرة من ذينك المعدنين النفيسين وإن كانت سرقة سميناه أديبًا أيضًا.
واصطلح غيرنا ممن فهموا أسرار الحياة ولم يقدسوا الموت تقديس الزهاد -
والأمة إذا فَرَّطت في واجبات الموت فرَّطت في أغراض الحياة - اصطلحوا على
أن من قام به فن من الفنون فهو العالم، ومن تعلقت بعلمه مصلحة الأمة فهو
الصحفي، ومن كان لأمته في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ فهو الأديب.
وليست الصحافة عندنا بأحوج إلى الحقيقة الصحفية عند غيرنا منها
إلى حقيقة العلم وحقيقة الأدب، فإن أردت أن تصحح معنى العرب وتصلح
خطأ الاصطلاح ورغبت أن تكون بحق أحد الثلاثة، فكن الثلاثة جميعا اهـ.
هذا ما نقله صاحب هذه المجلة عن مفكرته من حديث كان بينه وبين
الأستاذ الإمام، وإنما نقل كلام الأستاذ بمعناه لا بحروفه قطعًا، وقال: إن
من نيته أن تكون مجلته كما قال الإمام (تصحيحًا لمعنى العرف وإصلاحًا
لخطأ الاصطلاح) .
ونحن نرحب برصيفنا الجديد وصاحبنا القديم، ونتمنى لو يصل به
الجد إلى ما انتوى، وأكبر ما نرجو منه أن يكون لنا من بيانه صحيفة
أدبية متقنة، ويتوقف هذا على توجيه وجهه وصرف عزيمته كلها إلى علم
الأدب، وإن استعداده له لأقوى من استعداده لغيره من الفنون ومصالح
الأمة، وقد أصاب حظًّا منه يؤهله لإدراك لقب من ألقابه، يحفظه له
التاريخ في بعض أبوابه، وله من صاحبه السباعي ولي نصير، وعون
وظهير يمده بالأدبيات الإفرنجية المثبتة في الصحف الإنكليزية، وقد
أصبحت لغتنا وحظها من الصحف الأدبية أقل مما تحتاج، وحاجتها إليها
أكثر مما تجد، وإن النبوغ في العلوم والفنون والسياسة والاجتماع،
موقوف على ارتقاء اللغة وبلوغها درجة الكمال في حسن التعبير، وقوة
التأثير.
لا ترتقي المجلات عندنا ما دام الواحد منا يستقل بمجلة تبحث في كل
علم وفن؛ إذ لا يمكن أن يتقن الواحد كل علم وفن، فشرط الإتقان أن
يعنى صاحب المجلة بشيء واحد يتقنه أو يكون للمجلة عدة محررين
أخصائيين. نعم؛ إنه لا يوجد عندنا لكل علم وفن قراء يقوم بهم أمر مجلة
لا تبحث في غيره، إلا الأدب فإن أكثر المتعلمين يتمنون لو يكون له مجلة
متقنة، ويرجى أن يكون قراؤها إن وجدت أكثر من قراء جميع المجلات،
فهذه نصيحتنا لصاحبنا منشئ مجلة البيان، وما أرى الأستاذ الإمام قال له
كن الثلاثة جميعًا إلا لإنهاض همته وإرشاده إلى التوفيق بينها مع توجيه
العزيمة إلى إتقان أمر واحد منها، ولا يمكن أن يكون أراد حثَّه على الكتابة في
علوم الفلسفة، والاجتماع والصحة وأن يضرب بسهم في جميع الفنون ويتقن كل
ذلك في صحيفة واحدة، وقد كان من غرضنا - إذ أنشأنا المنار - أن نجعل لأدب
اللغة حظًّا عظيمًا من صحائفه فأبت العناية بالإصلاح الديني والاجتماعي أن
تؤتيه هذا الحظ، فهذه نصيحة أخ قد جرب لأخ يريد أن يجرب.