وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يَصِحَّ لَهُ إلَّا غَسْلُ وَجْهِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَتِّبْ. وَإِنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ جَارٍ فَلَمْ يَمُرَّ عَلَى أَعْضَائِهِ إلَّا جِرْيَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَذَلِكَ. وَإِنْ مَرَّ عَلَيْهِ أَرْبَعُ جِرْيَاتٍ، وَقُلْنَا: الْغَسْلُ يُجْزِئُ عَنْ الْمَسْحِ. أَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ رَاكِدًا، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إذَا أَخْرَجَ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَاءِ، أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ إنَّمَا يَرْتَفِعُ بِانْفِصَالِ الْمَاءِ عَنْ الْعُضْوِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ أَرَادَ الْوُضُوءَ فَانْغَمَسَ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَاءِ، فَعَلَيْهِ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إذَا كَانَ جَارِيًا فَمَرَّتْ عَلَيْهِ جِرْيَةٌ وَاحِدَةٌ، أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ. وَإِنْ اجْتَمَعَ الْحَدَثَانِ، سَقَطَ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ. عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(١٨٠) فَصْلٌ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِرَقِيِّ الْمُوَالَاةَ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهَا فِي مَوَاضِعَ. وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْقَاضِي: وَنَقَلَ حَنْبَلُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ، فَكَيْفَمَا غَسَلَ جَازَ؛ وَلِأَنَّهَا إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ، فَلَمْ تَجِبْ الْمُوَالَاةُ فِيهَا كَالْغُسْلِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ تَعَمَّدَ التَّفْرِيقَ بَطَلَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» .
وَلَوْ لَمْ تَجِبْ الْمُوَالَاةُ لَأَجْزَأَهُ غَسْلُ اللُّمْعَةِ؛ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُفْسِدُهَا الْحَدَثُ، فَاشْتُرِطَتْ لَهَا الْمُوَالَاةُ كَالصَّلَاةِ، وَالْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ الْغَسْلِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ كَيْفِيَّتَهُ، وَفَسَّرَ مُجْمَلَهُ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَوَضَّأْ إلَّا مُتَوَالِيًا، وَأَمَرَ تَارِكَ الْمُوَالَاةِ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ، وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ عُضْوٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ. (١٨١) فَصْلٌ: وَالْمُوَالَاةُ الْوَاجِبَةُ أَنْ لَا يَتْرُكَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنٌ يَجِفُّ فِيهِ الْعُضْوُ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الزَّمَانِ الْمُعْتَدِلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْرِعُ جَفَافُ الْعُضْوِ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ دُونَ بَعْضٍ؛ وَلِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ طَرَفَيْ الطَّهَارَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، إنَّ حَدَّ التَّفْرِيقِ الْمُبْطِلَ مَا يَفْحُشُ فِي الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَدَّ فِي الشَّرْعِ، فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ، كَالْإِحْرَازِ وَالتَّفَرُّقِ فِي الْبَيْعِ.
(١٨٢) فَصْلٌ: وَإِنْ نَشِفَتْ أَعْضَاؤُهُ لِاشْتِغَالِهِ بِوَاجِبٍ فِي الطَّهَارَةِ أَوْ مَسْنُونٍ، لَمْ يُعَدَّ تَفْرِيقًا، كَمَا لَوْ طَوَّلَ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ. قَالَ أَحْمَدُ إذَا كَانَ فِي عِلَاجِ الْوُضُوءِ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ لِوَسْوَسَةٍ تَلْحَقُهُ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute