فِعْلٍ مُوجِبٍ لِلْقِصَاصِ، فَقَامَ فِعْلُ شَرِيكِهِ مَقَامَ فِعْلِهِ لِتَسَبُّبِهِ إلَيْهِ، وَهَا هُنَا إذَا أَقَمْنَا الْمُخْطِئَ مُقَامَ الْعَامِدِ، صَارَ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ بِعَمْدٍ وَخَطَأٍ، وَهَذَا غَيْرُ مُوجِبٍ.
[فَصْل هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى شَرِيكِ نَفْسِهِ وَشَرِيكِ السَّبْعِ]
(٦٦٤٤) فَصْلٌ: وَهَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى شَرِيكِ نَفْسِهِ وَشَرِيكِ السَّبْع؟ فِيهِ وَجْهَانِ، ذَكَرَهُمَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ، وَصُورَةُ ذَلِكَ، أَنْ يَجْرَحَهُ سَبُعٌ أَوْ يَجْرَحَهُ إنْسَانٌ عَمْدًا، إمَّا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ، فَيَمُوتَ مِنْهُمَا، أَوْ يَجْرَحَ نَفْسَهُ عَمْدًا، ثُمَّ يَجْرَحَهُ غَيْرُهُ عَمْدًا، فَيَمُوتَ مِنْهُمَا، فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُشَارِكِ لَهُ قِصَاصٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَاخْتُلِفَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ مَنْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْزَمَهُ قِصَاصٌ، كَشَرِيكِ الْخَاطِئِ، وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ تَرَكَّبَ مِنْ مُوجِبٍ وَغَيْرِ مُوجِبٍ، فَلَمْ يُوجِبْ، كَالْقَتْلِ الْحَاصِلِ مِنْ عَمْدٍ وَخَطَأٍ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجِبْ عَلَى شَرِيكِ الْخَاطِئِ وَفِعْلُهُ مَضْمُونٌ، فَلَأَنْ لَا يَجِبَ عَلَى شَرِيكِ مَنْ لَا يُضْمَنُ فِعْلُهُ أَوْلَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي، عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَرَحَهُ رَجُلٌ، ثُمَّ جَرَحَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ، فَمَاتَ، فَعَلَى شَرِيكِهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ عَمْدٌ مُتَمَحِّضٌ، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الشَّرِيكِ فِيهِ، كَشَرِيكِ الْأَبِ، فَأَمَّا إنْ جَرَحَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ خَطَأً، كَأَنَّهُ أَرَادَ ضَرْبَ جَارِحَةٍ، فَأَصَابَ نَفْسَهُ، أَوْ خَاطَ جُرْحَهُ، فَصَادَفَ اللَّحْمَ الْحَيَّ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي شَرِيكِ الْخَاطِئِ.
[فَصْلٌ جَرَحَهُ إنْسَانٌ فَتَدَاوَى بِسُمٍّ فَمَاتَ]
(٦٦٤٥) فَصْلٌ: فَإِنْ جَرَحَهُ إنْسَانٌ، فَتَدَاوَى بِسُمٍّ فَمَاتَ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ سُمَّ سَاعَةٍ يَقْتُلُ فِي الْحَالِ، فَقَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَقَطَعَ سِرَايَةَ الْجُرْحِ، وَجَرَى مَجْرَى مَنْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بَعْدَ أَنْ جُرِحَ، وَنَنْظُرُ فِي الْجُرْحِ، فَإِنْ كَانَ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ، فَلِوَلِيِّهِ اسْتِيفَاؤُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لَهُ، فَلِوَلِيِّهِ الْأَرْشُ، وَإِنْ كَانَ السُّمُّ لَا يَقْتُلُ فِي الْغَالِبِ، وَقَدْ يَقْتُلُ، بِفِعْلِ الرَّجُلِ فِي نَفْسِهِ عَمْدُ خَطَأٍ، وَالْحُكْمُ فِي شَرِيكِهِ كَالْحُكْمِ فِي شَرِيكِ الْخَاطِئِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، فَعَلَى الْجَارِحِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ السُّمُّ يَقْتُلُ غَالِبًا بَعْدَ مُدَّةٍ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَمْدَ الْخَطَأِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ، إنَّمَا قَصَدَ التَّدَاوِيَ، فَيَكُونُ كَاَلَّذِي قَتَلَهُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْعَمْدِ، فَيَكُونَ فِي شَرِيكِهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ.
وَإِنْ جُرِحَ رَجُلٌ، فَخَاطَ جُرْحَهُ، أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ فَخَاطَهُ لَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ شَرِبَ سُمًّا يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلَ، عَلَى مَا مَضَى فِيهِ. وَإِنْ خَاطَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كُرْهًا، فَهُمَا قَاتِلَانِ عَلَيْهِمَا الْقَوَدُ. وَإِنْ خَاطَهُ وَلِيُّهُ، أَوْ الْإِمَامُ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ، فَهُمَا كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا جَائِزٌ لَهُمَا، إذْ لَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute