للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ، يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ، فَتَعَلَّقَتْ بِهِمْ، كَالدِّيَةِ.

وَتُفَارِقُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ بَدَنِيَّتَانِ، وَهَذِهِ مَالِيَّةٌ، أَشْبَهَتْ نَفَقَاتِ الْأَقَارِبِ. وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلِ، وَلَا قَوْلَ لَهُمَا، وَهَذِهِ تَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ، وَفِعْلُهُمَا مُتَحَقِّقٌ قَدْ أَوْجَبَ الضَّمَانَ عَلَيْهِمَا، وَيَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعِتْقَ يَتَعَلَّقُ بِإِحْبَالِهِمَا دُونَ إعْتَاقِهِمَا بِقَوْلِهِمَا. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ، وَتَكُونُ عُقُوبَةٌ عَلَيْهِ، كَالْحُدُودِ.

[فَصْلٌ قَتَلَ فِي دَار الْحَرْبِ مُسْلِمًا يَعْتَقِدُهُ كَافِرًا]

(٧٠٤٩) فَصْلٌ: وَمَنْ قَتَلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا يَعْتَقِدُهُ كَافِرًا، أَوْ رَمَى إلَى صَفِّ الْكُفَّارِ، فَأَصَابَ فِيهِمْ مُسْلِمًا فَقَتَلَهُ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] .

[فَصْلٌ كُلَّ قَتْلٍ مُبَاحٍ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ]

(٧٠٥٠) فَصْلٌ: وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ كُلَّ قَتْلٍ مُبَاحٍ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، كَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ، وَالْبَاغِي، وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَالْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ مَأْمُورٌ بِهِ، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ لِمَحْوِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَأَمَّا الْخَطَأُ، فَلَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا إبَاحَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَفِعْلِ الْمَجْنُونِ، وَالْبَهِيمَةِ، لَكِنَّ النَّفْسَ الذَّاهِبَةَ بِهِ مَعْصُومَةٌ مُحَرَّمَةٌ مُحْتَرَمَةٌ، فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِيهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: الْخَطَأُ مُحَرَّمٌ وَلَا إثْمَ فِيهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ مَا أَثِمَ فَاعِلُهُ، وَهَذَا لَا إثْمَ فِيهِ، وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: ٩٢] . هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. وَ {إِلا} [النساء: ٩٢] فِي مَوْضِعِ " لَكِنْ ". التَّقْدِيرُ: لَكِنْ قَدْ يَقْتُلُهُ خَطَأً.

وَقِيلَ: {إِلا} [النساء: ٩٢] بِمَعْنَى " وَلَا "، أَيْ وَلَا خَطَأً. وَهَذَا يَبْعُدُ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ النَّهْيُ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحْرِيمِ مِنْهُ، وَكَوْنِهِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوُسْعِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى " وَلَا " كَانَتْ عَاطِفَةً لِلْخَطَإِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَلَيْسَ قَبْلَهُ مَا يَصْلُحُ عَطْفُهُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَتْلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصِبْيَانِهِمْ، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إيمَانٌ وَلَا أَمَانٌ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ قَتْلِهِمْ، لِانْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ، لِكَوْنِهِمْ يَصِيرُونَ بِالسَّبْيِ رَقِيقًا يُنْتَفَعُ بِهِمْ. وَكَذَلِكَ قَتْلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، لَا كَفَّارَةَ فِيهِ؛ لِذَلِكَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُضْمَنُوا بِشَيْءٍ، فَأَشْبَهُوا مَنْ قَتْلُهُ مُبَاحٌ.

[فَصْلٌ قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً]

(٧٠٥١) فَصْلٌ: وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً، وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ نَفْسِهِ لَا يَجِبُ، فَلَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ، كَقَتْلِ نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصِبْيَانِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>