مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَاللَّيْثُ: مَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ حَيْضٌ إذَا أَمْكَنَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَإِسْحَاقَ لِأَنَّهُ دَمٌ صَادَفَ عَادَةً، فَكَانَ حَيْضًا كَغَيْرِ الْحَامِلِ، وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» فَجَعَلَ وُجُودَ الْحَيْضِ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ.
وَاحْتَجَّ إمَامُنَا بِحَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» فَجَعَلَ الْحَمْلَ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ، كَمَا جَعَلَ الطُّهْرَ عَلَمًا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ زَمَنٌ لَا يَعْتَادُهَا الْحَيْضُ فِيهِ غَالِبًا، فَلَمْ يَكُنْ مَا تَرَاهُ فِيهِ حَيْضًا كَالْآيِسَةِ قَالَ أَحْمَدُ إنَّمَا يَعْرِفُ النِّسَاءُ الْحَمْلَ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ يُحْمَلُ عَلَى الْحُبْلَى الَّتِي قَارَبَتْ الْوَضْعَ، جَمْعًا بَيْنَ قَوْلَيْهَا، فَإِنَّ الْحَامِلَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ قَرِيبًا مِنْ وِلَادَتِهَا فَهُوَ نِفَاسٌ، تَدَعُ لَهُ الصَّلَاةَ كَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ: وَقَالَ الْحَسَنُ: إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْوَلَدِ أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّلَاةِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الْمَرْأَةِ إذَا ضَرَبَهَا الْمَخَاضُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ تُعِيدُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: لَا وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إذَا ضَرَبَهَا الْمَخَاضُ فَرَأَتْ الدَّمَ قَالَ: هُوَ حَيْضٌ. وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ عَطَاءٌ: تُصَلِّي وَلَا تَعُدُّهُ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا.
وَلَنَا: أَنَّهُ دَمٌ خَرَجَ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ فَكَانَ نِفَاسًا، كَالْخَارِجِ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ خُرُوجُهُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِرُؤْيَةِ أَمَارَاتِهَا؛ مِنْ الْمَخَاضِ وَنَحْوِهِ فِي وَقْتِهِ: وَأَمَّا إنْ رَأَتْ الدَّمَ مِنْ غَيْرِ عَلَامَةٍ عَلَى قُرْبِ الْوَضْعِ، لَمْ تَتْرُكْ لَهُ الْعِبَادَةَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ فَإِنْ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ قَرِيبًا مِنْ الْوَضْعِ، كَوَضْعِهِ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ أَعَادَتْ الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ إنْ صَامَتْهُ فِيهِ. وَإِنْ رَأَتْهُ عِنْدَ عَلَامَةٍ عَلَى الْوَضْعِ تَرَكَتْ الْعِبَادَةَ. فَإِنْ تَبَيَّنَ بُعْدُهُ عَنْهَا أَعَادَتْ مَا تَرَكَتْهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّهَا تَرَكَتْهَا مِنْ غَيْرِ حَيْضٍ وَلَا نِفَاسٍ.
[مَسْأَلَة رَأَتْ الدَّمَ وَلَهَا خَمْسُونَ سَنَةً]
(٥٠٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ وَلَهَا خَمْسُونَ سَنَةً، فَلَا تَدَعُ الصَّوْمَ، وَلَا الصَّلَاةَ، وَتَقْضِي الصَّوْمَ احْتِيَاطًا، فَإِنْ رَأَتْهُ بَعْدَ السِّتِّينَ، فَقَدْ زَالَ الْإِشْكَالُ؛ وَتُيُقِّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ، فَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَلَا تَقْضِي. اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَاَلَّذِي نَقَلَ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا، أَنَّهَا لَا تَيْأَسُ مِنْ الْحَيْضِ يَقِينًا إلَى سِتِّينَ سَنَةً، وَمَا تَرَاهُ فِيمَا بَيْنَ الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، لَا تَتْرُكُ لَهُ الصَّلَاةَ، وَلَا الصَّوْمَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُمَا مُتَيَقَّنٌ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ، وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ كَانَ مُتَيَقَّنًا، وَمَا صَامَتْهُ فِي زَمَنِ الدَّمِ مَشْكُوكٌ فِي صِحَّتِهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِهِ مَا تَيَقَّنَ وُجُوبُهُ.
وَرُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بَعْدَ الْخَمْسِينَ لَا تَحِيضُ. وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ لَا يَكُونُ حَيْضًا بَعْدَ الْخَمْسِينَ، وَيَكُونُ حُكْمُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute