[فَصْلٌ نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ]
(٥٣٣٦) فَصْلٌ: فَأَمَّا نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ إلَى جَمِيعِهَا، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَأْكُلُ مَعَ مُطَلَّقَتِهِ، هُوَ أَجْنَبِيٌّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا، كَيْفَ يَأْكُلُ مَعَهَا يَنْظُرُ إلَى كَفِّهَا؟ ، لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَى مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَيُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ إذَا أَمِنَ الْفِتْنَةَ، وَنَظَرَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَرَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثِيَابٍ رِقَاقٍ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَقَالَ: يَا أَسْمَاءُ، إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا هَذَا وَهَذَا وَأَشَارَ إلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، فَلَمْ يَحْرُمْ النَّظَرُ إلَيْهِ بِغَيْرِ رِيبَةٍ، كَوَجْهِ الرَّجُلِ.
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: ٥٣] وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ، فَمَلَكَ مَا يُؤَدِّي، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» «وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كُنْت قَاعِدَةً عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَحَفْصَةُ فَاسْتَأْذَنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجِبْنَ مِنْهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «وَكَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَتْهُ الْخَثْعَمِيَّةُ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَتَنْظُرُ إلَيْهِ، فَصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجْهَهُ عَنْهَا» وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَظْرَةِ الْفُجَاءَةِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي» حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّمَا لَك الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَك الْآخِرَةُ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد
وَفِي إبَاحَةِ النَّظَرِ إلَى الْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا دَلِيلٌ عَلَى التَّحْرِيمِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ، إذْ لَوْ كَانَ مُبَاحًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ لِهَذِهِ؟ ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ إنْ صَحَّ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ، فَنَحْمِلُهُ عَلَيْهِ.
(٥٣٣٧) فَصْلٌ: وَالْعَجُوزُ الَّتِي لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا، لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهَا غَالِبًا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النور: ٦٠] الْآيَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: ٣١] الْآيَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute