للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصَّوْمِ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ، وَلِأَنَّهُ أَكَلَ شَاكًّا فِي النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ، كَمَا لَوْ أَكَلَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] .

مَدَّ الْأَكْلَ إلَى غَايَةِ التَّبَيُّنِ، وَقَدْ يَكُونُ شَاكًّا قَبْلَ التَّبَيُّنِ، فَلَوْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لَحَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَكُلُوا، وَاشْرَبُوا، حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْت أَصْبَحْت. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، فَيَكُونُ زَمَانُ الشَّكِّ مِنْهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ يَقِينُ زَوَالِهِ، بِخِلَافِ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ، فَبَنَى عَلَيْهِ.

[فَصْلُ أَكَلَ الصَّائِم شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ]

(٢٠٧٧) فَصْلٌ: وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ. وَإِنْ كَانَ حِينَ الْأَكْلِ ظَانًّا أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ، أَوْ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ الْأَكْلِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ يَقِينٌ أَزَالَ ذَلِكَ الظَّنَّ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ، ثُمَّ شَكَّ فِي الْإِصَابَةِ بَعْدَ صَلَاتِهِ.

[مَسْأَلَةُ الْجُنُبَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْغُسْلَ حَتَّى يُصْبِحَ ثُمَّ يَغْتَسِلَ وَيُتِمَّ صَوْمَهُ]

مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمُبَاحٌ لِمَنْ جَامَعَ بِاللَّيْلِ أَنْ لَا يَغْتَسِلَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَهُوَ عَلَى صَوْمِهِ) وَجُمْلَتُهُ، أَنَّ الْجُنُبَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْغُسْلَ حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ يَغْتَسِلَ، وَيُتِمَّ صَوْمَهُ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَزَيْدٌ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، فِي أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي أَهْلِ الشَّامِ، وَاللَّيْثُ، فِي أَهْلِ مِصْرَ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، فِي أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَدَاوُد، فِي أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لَا صَوْمَ لَهُ. وَيَرْوِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: رَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ فُتْيَاهُ.

وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَا: يُتِمُّ صَوْمَهُ وَيَقْضِي. وَعَنْ النَّخَعِيِّ فِي رِوَايَةٍ: يَقْضِي فِي الْفَرْضِ دُونَ التَّطَوُّعَ. وَعَنْ عُرْوَةَ، وَطَاوُسٍ: إنْ عَلِمَ بِجَنَابَتِهِ فِي رَمَضَانَ، فَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى أَصْبَحَ، فَهُوَ مُفْطِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَهُوَ صَائِمٌ. وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ. وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: «ذَهَبْت أَنَا وَأَبِي حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا، مِنْ جِمَاعٍ، مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>