قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذًا يُجْحِفَ ذَلِكَ بِالْوَرَثَةِ، وَلَكِنَّهَا تَسْتَدِينُ، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا أَخَذَتْ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ أَخَذَتْ مِنْ نَصِيبهَا مِنْ الْمِيرَاثِ. وَقَالَا: يُنْفَقُ عَلَيْهَا بَعْدُ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا جَمِيعِهِ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ. لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا، مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ، سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهَا بِالتَّزْوِيجِ تَخْرُجُ عَنْ يَدَيْهِ، وَتَصِيرُ نَاشِزًا، وَإِنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَإِذَا انْقَضَتْ، فَلَمْ تَعُدْ إلَى مَسْكَنِ زَوْجِهَا، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى النُّشُوزِ. وَإِنْ عَادَتْ إلَى مَسْكَنِهِ، احْتَمَلَ أَنْ تَعُودَ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ النُّشُوزَ الْمُسْقِطَ لِنَفَقَتِهَا قَدْ زَالَ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تَعُودَ؛ لِأَنَّهَا مَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَيْهِ. وَإِنْ عَادَ فَتَسَلَّمَهَا، عَادَتْ نَفَقَتُهَا.
وَمَتَى أُنْفِقَ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَانَ أَنَّ الزَّوْجَ كَانَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، حُسِبَ عَلَيْهَا مَا أُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ حِينِ مَوْتِهِ مِنْ مِيرَاثِهَا، فَإِنْ لَمْ تَرِثْ شَيْئًا، فَهُوَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِ الْوَارِثِ مَا لَا تَسْتَحِقُّهُ، فَأَمَّا نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي، فَإِنْ قُلْنَا: لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ. فَنِكَاحُهَا صَحِيحٌ، حُكْمُهُ فِي النَّفَقَةِ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْكِحَةِ الصَّحِيحَةِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ. فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا، لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِهِ، إلَّا أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَاكِمٌ، فَيَحْتَمِلَ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُ أَدَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلَ أَلَّا يَرْجِعَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ، مَا لَمْ يُخَالِفْ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا. فَإِنْ فَارَقَهَا بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَيَنْبَنِي وُجُوبُ النَّفَقَةِ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي النَّفَقَةِ؛ هَلْ هِيَ لِلْحَمْلِ، أَوْ لَهَا مِنْ أَجْلِهِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ لِلْحَمْلِ. فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْحَمْلِ لَاحِقٌ بِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَى وَلَدِهِ.
وَإِنْ قُلْنَا: لَهَا مِنْ أَجْلِهِ. فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَأَشْبَهَ حَمْلَ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ. وَإِذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ الثَّانِي، لَحِقَهُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا تَرَبَّصَتْ بَعْدَ فَقْدِهِ أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا مِنْ الثَّانِي بِوَضْعِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا أَنْ تُرْضِعَهُ اللِّبَأَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَقُومُ بَدَنُهُ إلَّا بِهِ، فَإِنْ رُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ، فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ، كَمَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ رَضَاعِ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُهَا عَنْ حُقُوقِهِ، إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهَا، وَيُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا حَالُ ضَرُورَةٍ. فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ، لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ وَيَدِهِ، وَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا نَاشِزٌ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ، خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا بِإِذْنِهِ.
[فَصْلٌ مِيرَاث زَوْجَة الْغَائِب]
(٦٣٥٦) فَصْلٌ: فِي مِيرَاثِهَا مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَتَوْرِيثِهِمَا مِنْهَا، مَتَى مَاتَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ، أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ تَزَوُّجِهَا بِالثَّانِي، وَرِثَتْهُ وَوَرِثَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَتْ الثَّانِي فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّنَا قَدْ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مَتَى قَدِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، رُدَّتْ إلَيْهِ بِغَيْرِ تَخْيِيرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute