لِأَحَدِهِمَا، وَيُفَارِقُ مَا إذَا أَنْكَرَهَا.
لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهَا لَهُ، فَهُمَا دَعْوَيَانِ، فَإِنْ حَلَفَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ، وَسُلِّمَتْ إلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتَحَالَفَانِ، وَيُوقَفُ الشَّيْءُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْمَالِكَ مِنْهُمَا. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ، أَنَّهَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا. وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُمْ، قَالُوا: وَيَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ نِصْفَهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَا اسْتَوْدَعَ بِجَهْلِهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي الْحَقِّ فِيمَا لَيْسَ بِأَيْدِيهِمَا، فَوَجَبَ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، كَالْعَبْدَيْنِ إذَا أَعْتَقَهُمَا فِي مَرَضِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَحَدُهُمَا، أَوْ كَمَا لَوْ أَرَادَ السَّفَرَ بِإِحْدَى نِسَائِهِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَتْلَفْ، وَلَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي جَهْلِهِ تَفْرِيطٌ، إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ لَا يَنْسَى وَلَا يَجْهَلَ.
[مَسْأَلَةٌ أُودِعَ شَيْئًا فَأَخَذَ بَعْضَهُ ثُمَّ رَدَّهُ أَوْ مِثْلَهُ فَضَاعَ الْكُلُّ]
(٥٠٦٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أَوْدَعَ شَيْئًا، فَأَخَذَ بَعْضَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ أَوْ مِثْلَهُ، فَضَاعَ الْكُلُّ، لَزِمَهُ مِقْدَارُ مَا أَخَذَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ أَوْدَعَ شَيْئًا، فَأَخَذَ بَعْضَهُ، لَزِمَهُ ضَمَانُ مَا أَخَذَ، فَإِنْ رَدَّهُ أَوْ مِثْلَهُ، لَمْ يَزُلْ الضَّمَانُ عَنْهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا رَدَّهُ أَوْ مِثْلَهُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ لَمْ يُنْفِقْ مَا أَخَذَهُ، وَرَدَّ، لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَنْفَقَهُ ثُمَّ رَدَّهُ أَوْ مِثْلَهُ ضَمِنَ. وَلَنَا، أَنَّ الضَّمَانَ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ بِالْأَخْذِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَلَفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ رَدِّهِ ضَمِنَهُ، فَلَا يَزُولُ إلَّا بِرَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ كَالْمَغْصُوبِ.
فَأَمَّا سَائِرُ الْوَدِيعَةِ، فَيُنْظَرُ فِيهِ؛ فَإِنْ كَانَ فِي كِيسٍ مَخْتُومٍ أَوْ مَشْدُودٍ، فَكَسَرَ الْخَتْمَ أَوْ حَلَّ الشَّدَّ، ضَمِنَ، سَوَاءٌ أُخْرِجَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يُخْرَجْ؛ لِأَنَّهُ هَتَكَ الْحِرْزَ بِفِعْلٍ تَعَدَّى بِهِ. وَإِنْ خَرَقَ الْكِيسَ فَوْقَ الشَّدِّ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا خَرَقَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ مَا هَتَكَ الْحِرْزَ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّرَاهِمُ فِي كِيسٍ، أَوْ كَانَتْ فِي كِيسٍ غَيْرِ مَشْدُودٍ، أَوْ كَانَتْ ثِيَابًا فَأَخَذَ مِنْهَا وَاحِدًا ثُمَّ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ، لَمْ يَضْمَنْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِي غَيْرِهِ. وَإِنْ رَدَّ بَدَلَهُ وَكَانَ مُتَمَيِّزًا، لَمْ يَضْمَنْ غَيْرَهُ لِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ غَيْرَهُ
لِأَنَّ التَّعَدِّيَ اخْتَصَّ بِهِ، فَيَخْتَصُّ الضَّمَانُ بِهِ، وَخَلْطُ الْمَرْدُودِ بِغَيْرِهِ لَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهُ مَعَهَا، فَلَمْ يُفَوِّتْ عَلَى نَفْسِهِ إمْكَانَ رَدِّهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ فِي الْأَخْذِ مِنْهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِرَدِّ بَدَلِهِ، فَأَخَذَ ثُمَّ رَدَّ بَدَلَ مَا أَخَذَ فَهُوَ كَرَدِّ بَدَلِ مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِي أَخْذِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُ الْكُلَّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهَا، فَضَمِنَ الْكُلَّ، كَمَا لَوْ خَلَطَهَا بِغَيْرِ الْبَدَلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute