[كِتَاب الشَّرِكَة] [الشَّرِكَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ شَرِكَةُ أَمْلَاكٍ وَشَرِكَةُ عُقُودٍ]
ِ الشَّرِكَةُ: هِيَ الِاجْتِمَاعُ فِي اسْتِحْقَاقٍ أَوْ تَصَرُّفٍ.
وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: ٢٤] . وَالْخُلَطَاءُ. هُمْ الشُّرَكَاءُ.
وَمِنْ السُّنَّةِ، مَا رُوِيَ «أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ كَانَا شَرِيكَيْنِ، فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُمَا أَنَّ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَرُدُّوهُ.» وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّهُ قَالَ: يَدُ اللَّهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَتَخَاوَنَا» . وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الشَّرِكَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنْوَاعٍ مِنْهَا نُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالشَّرِكَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: شَرِكَةُ أَمْلَاكٍ، وَشَرِكَةُ عُقُودٍ. وَهَذَا الْبَابُ لِشَرِكَةِ الْعُقُودِ. وَهِيَ أَنْوَاعٌ خَمْسَةٌ؛ شَرِكَةُ الْعِنَانِ، وَالْأَبْدَانِ، وَالْوُجُوهِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْمُفَاوَضَةِ. وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، كَالْبَيْعِ.
(٣٦١٤) فَصْلٌ قَالَ أَحْمَدُ: يُشَارَكُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ، وَلَكِنْ لَا يَخْلُو الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ بِالْمَالِ دُونَهُ وَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَلِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِالرِّبَا. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ وَكَرِهَ الشَّافِعِيُّ مُشَارَكَتَهُمْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يُشَارِكْ الْمُسْلِمُ الْيَهُودِيَّ.
وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ مَالَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ لَيْسَ بِطَيِّبٍ، فَإِنَّهُمْ يَبِيعُونَ الْخَمْرَ، وَيَتَعَامَلُونَ بِالرِّبَا، فَكَرِهَتْ مُعَامَلَتُهُمْ. وَلَنَا، مَا رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مُشَارَكَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ بِيَدِ الْمُسْلِمِ» . وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي كَرَاهَةِ مَا خَلَوَا بِهِ، مُعَامَلَتُهُمْ بِالرِّبَا، وَبَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِيمَا حَضَرَهُ الْمُسْلِمُ أَوْ وَلِيَهُ.
وَقَوْلُ ابْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute