أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مُسْلِمَةٍ بِحَالٍ، بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ؛ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الذِّمِّيِّ: إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ، هَلْ يَلِي نِكَاحَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يَلِيهِ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ، فَيَلِي نِكَاحَهَا كَالْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَيْهَا فَيَلِيهِ كَإِجَارَتِهَا. وَالثَّانِي، لَا يَلِيهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١] وَلِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَلَا يَلِي نِكَاحَهَا كَابْنَتِهِ. فَعَلَى هَذَا يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ
وَهَذَا أَوْلَى؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْكَافِرَةِ، غَيْرَ السَّيِّدِ وَالسُّلْطَانِ وَوَلِيِّ سَيِّدِ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٣] . وَلِأَنَّ مُخْتَلِفَيْ الدِّينِ لَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ، فَلَمْ يَلِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا. وَأَمَّا سَيِّدُ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ، فَلَهُ تَزْوِيجُهَا لِكَافِرٍ؛ لِكَوْنِهَا لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ وَلِيُّ سَيِّدِ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ يَلِي تَزْوِيجَهَا لِكَافِرٍ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ بِالْمِلْكِ، فَلَمْ يَمْنَعْهَا كَوْنُ سَيِّدِ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ مُسْلِمًا، كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ تَحْتَاجُ إلَى التَّزْوِيجِ. وَلَا وَلِيَّ لَهَا غَيْرُ سَيِّدِهَا
فَأَمَّا السُّلْطَانُ، فَلَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَامَّةٌ عَلَى أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهَذِهِ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ، فَتَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا، كَالْمُسْلِمَةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ، فَتَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ، عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِمْ الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَيُخَرَّجُ فِي اعْتِبَارِ عَدَالَتِهِ فِي دِينِهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي اعْتِبَارِهَا فِي الْمُسْلِمِينَ.
[فَصْلٌ إذَا تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيَّةً فَوَلِيُّهَا الْكَافِرُ يُزَوِّجُهَا إيَّاهُ]
(٥١٨٠) فَصْلٌ: إذَا تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيَّةً، فَوَلِيُّهَا الْكَافِرُ يُزَوِّجُهَا إيَّاهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهَا، فَصَحَّ تَزْوِيجُهُ لَهَا، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا كَافِرًا، وَلِأَنَّ هَذِهِ امْرَأَةٌ لَهَا وَلِيَّ مُنَاسِبٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَلِيَهَا غَيْرُهُ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا ذِمِّيٌّ
وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: لَا يَعْقِدُ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ عُقْدَةَ نِكَاحٍ لِمُسْلِمٍ وَلَا مُسْلِمَةٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَقْدٌ يَفْتَقِرُ إلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِوِلَايَةِ كَافِرٍ، كَنِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْأُوَلُ أَصَحُّ، وَالشُّهُودُ يُرَادُونَ لِإِثْبَاتِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، بِخِلَافِ الْوِلَايَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute