وَالْمُكَاتَبُ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَالْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ، فَإِذَا تَلِفَ قَبْلَ تَمَامِ الْأَدَاءِ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِ حُرِّيَّتِهِ، وَيَتَعَذَّرُ وُجُودُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
[فَصْلٌ انْفِسَاخُ الْكِتَابَةِ]
(٨٧١٩) فَصْلٌ: وَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً، فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ، وَيَمُوتُ عَبْدًا، وَمَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْفَتْوَى مِنْ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ، إلَّا أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ أَدَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْكِتَابَةِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُمَا، فَإِنَّهُ يَمُوتُ حُرًّا، فِي مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ حُرٌّ، انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ فِي كِتَابَتِهِ، أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ كُلِّهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، أُجْبِرَ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَالْأَدَاءِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ حَدًّا، أَوْ مِيرَاثًا، وَرِثَ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِحِصَّةِ مَا أَدَّى» . وَعَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالنَّخَعِيِّ: إذَا أَدَّى الشَّطْرَ، فَلَا رِقَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إذَا أَدَّى قَدْرَ قِيمَتِهِ، فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْجَوَابَ عَنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا فِيمَا تَقَدَّمَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ انْفِسَاخُ الْكِتَابَةِ بِالْجُنُونِ]
(٨٧٢٠) فَصْلٌ: وَلَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِالْجُنُونِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَمْ تَنْفَسِخْ بِالْجُنُونِ، كَالرَّهْنِ، وَفَارَقَ الْمَوْتُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْعَيْنِ، وَالْمَوْتُ يُفَوِّتُ الْعَيْنَ، بِخِلَافِ الْجُنُونِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْكِتَابَةِ الْعِتْقُ، وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ عِتْقُ الْمَيِّتِ، وَالْجُنُونُ لَا يُنَافِيهِ؛ بِدَلِيلِ صِحَّةِ عِتْقِ الْمَجْنُونِ. فَعَلَى هَذَا، إنْ أَدَّى إلَيْهِ الْمَالَ، عَتَقَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا قَبَضَ مِنْهُ، فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَخْذُ الْمَالِ مِنْ يَدِهِ، فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ بَرَاءَتَهُ مِنْ الْمَالِ، فَيَعْتِقُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ، كَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُحْضِرَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَتَثْبُتُ الْكِتَابَةُ بِالْبَيِّنَةِ، فَيَبْحَثُ الْحَاكِمُ عَنْ مَالِهِ، فَإِنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا، سَلَّمَهُ فِي الْكِتَابَةِ، وَعَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا جَعَلَ، لَهُ أَنْ يُعَجِّزَهُ، وَيُلْزِمَهُ الْإِنْقَاقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ قِنًّا، ثُمَّ إنْ وَجَدَ لَهُ الْحَاكِمُ بَعْدَ ذَلِكَ مَالًا يَفِي بِمَالِ الْكِتَابَةِ، أَبْطَلَ فَسْخَ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْبَاطِنَ بَانَ بِخِلَافِ مَا حَكَمَ بِهِ، فَبَطَلَ حُكْمُهُ، كَمَا إذَا أَخْطَأَ النَّصَّ وَحَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ، إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى السَّيِّدِ مَا أَنْفَقَهُ مِنْ حِينِ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute