للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا، إنَّمَا بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَحْدُثَ مِنْ الْمَحْدُودِ حَدَثٌ فَيُنَجِّسَهُ وَيُؤْذِيَهُ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَطْهِيرِهِ، فَقَالَ {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: ٢٦] .

[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَالْعَصِيرُ إذَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ]

(٧٣٦٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْعَصِيرُ إذَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَقَدْ حَرُمَ، إلَّا أَنْ يُغْلَى قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَحْرُمَ) أَمَّا إذَا غُلِيَ الْعَصِيرُ كَغَلَيَانِ الْقِدْرِ، وَقَذَفَ بِزَبَدِهِ، فَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ وَإِنْ أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَمْ يُغْلَ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ حَرَامٌ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: اشْرَبْهُ ثَلَاثًا، مَا لَمْ يُغْلَ، فَإِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلَا تَشْرَبْهُ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: هُوَ مُبَاحٌ مَا لَمْ يُغْلَ وَيُسْكِرْ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهِ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمُسْكِرِ خَاصَّةً. وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنْبَذُ لَهُ الزَّبِيبُ، فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ، إلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى الْخَدَمُ، أَوْ يُهْرَاقُ» وَرَوَى الشَّالَنْجِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «اشْرَبُوا الْعَصِيرَ ثَلَاثًا، مَا لَمْ يُغْلَ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: اشْرَبْهُ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ شَيْطَانُهُ. قِيلَ: وَفِي كَمْ يَأْخُذُهُ شَيْطَانُهُ؟ قَالَ: فِي ثَلَاثٍ وَلِأَنَّ الشِّدَّةَ تَحْصُلُ فِي الثَّلَاثِ غَالِبًا، وَهِيَ خَفِيَّةٌ تَحْتَاجُ إلَى ضَابِطٍ، فَجَازَ جَعْلُ الثَّلَاثِ ضَابِطًا لَهَا.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شُرْبُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ إذَا لَمْ يُغْلَ مَكْرُوهًا غَيْرَ مُحَرَّمٍ، فَإِنَّ أَحْمَدَ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَحْرِيمِهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: أَكْرَهُهُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَشْرَبُهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: عِنْدِي أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى عَصِيرٍ الْغَالِبُ أَنَّهُ يَتَخَمَّرُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامِ.

[مَسْأَلَةٌ النَّبِيذُ إذَا تُرِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ]

(٧٣٦١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَكَذَلِكَ النَّبِيذُ) يَعْنِي: أَنَّ النَّبِيذَ مُبَاحٌ مَا لَمْ يُغْلَ، أَوْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَالنَّبِيذُ: مَا يُلْقَى فِيهِ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ أَوْ نَحْوُهُمَا؛ لِيَحْلُوَ بِهِ الْمَاءُ، وَتَذْهَبَ مُلُوحَتُهُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يُغْلَ، أَوْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؛ لِمَا رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ، فَتَحَيَّنْت فِطْرَهُ بِنَبِيذٍ صَنَعْتُهُ فِي دُبَّاءٍ ثُمَّ أَتَيْته بِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>