إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلِبَ، وَيَشْرَبَ، وَلَا يَحْمِلَ؛ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا، فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، فَإِنْ أَذِنَ فَلْيَحْلِبْ، وَلْيَشْرَبْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا، فَلْيُصَوِّتْ ثَلَاثًا، فَإِنْ أَجَابَهُ أَحَدٌ، فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَلْيَحْلِبْ، وَلْيَشْرَبْ، وَلَا يَحْمِلْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلِبَ وَلَا يَشْرَبَ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْقَلَ طَعَامُهُ، فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ، فَلَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ» . وَفِي لَفْظٍ: «فَإِنَّ مَا فِي ضُرُوعِ مَوَاشِيهِمْ مِثْلَ مَا فِي مَشَارِبِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
[مَسْأَلَةٌ اُضْطُرَّ فَأَصَابَ الْمَيْتَةَ وَخُبْزًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ]
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ اُضْطُرَّ، فَأَصَابَ الْمَيْتَةَ وَخُبْزًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ، أَكَلَ الْمَيْتَةَ) وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانُوا يُصَدِّقُونَهُ أَنَّهُ مُضْطَرٌّ، أَكَلَ مِنْ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ، وَشَرِبَ اللَّبَنَ، وَإِنْ خَافَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ، أَوْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ، أَكَلَ الْمَيْتَةَ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: يَأْكُلُ الطَّعَامَ.
وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّعَامِ الْحَلَالِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، كَمَا لَوْ بَذَلَهُ لَهُ صَاحِبُهُ. وَلَنَا أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَمَالَ الْآدَمِيِّ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَالْعُدُولُ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَحُقُوقَ الْآدَمِيِّ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الشُّحِّ وَالتَّضْيِيقِ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ تَلْزَمُهُ غَرَامَتُهُ، وَحَقَّ اللَّهِ لَا عِوَضَ لَهُ.
(٧٨١٣) . فَصْلٌ: إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَلَا الْعُدُولُ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ، إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَسُمَّهُ فِيهِ، أَوْ يَكُونَ الطَّعَامُ الَّذِي يُطْعَمُهُ مِمَّا يَضُرُّهُ، وَيَخَافُ أَنْ يُهْلِكَهُ أَوْ يُمْرِضَهُ.
(٧٨١٤) . فَصْلٌ: وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا مَعَ صَاحِبِهِ، فَامْتَنَعَ مِنْ بَذْلِهِ لَهُ، أَوْ بَيْعِهِ مِنْهُ، وَوَجَدَ ثَمَنَهُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ مُكَابَرَتُهُ عَلَيْهِ، وَأَخْذُهُ مِنْهُ، وَعَدَلَ إلَى الْمَيْتَةِ، سَوَاءٌ كَانَ قَوِيًّا يَخَافُ مِنْ مُكَابَرَتِهِ التَّلَفَ أَوْ لَمْ يَخَفْ، فَإِنْ بَذَلَهُ لَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ، وَقَدَرَ عَلَى الثَّمَنِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى طَعَامٍ حَلَالٍ. وَإِنْ بَذَلَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ، لَا يُجْحِفُ بِمَالِهِ، لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ أَيْضًا؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الثَّمَنِ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْعَادِمِ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِهِ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute