أَوْ حَلْوَاءَ أَوْ طَبِيخٍ، فَظَهَرَ فِيهِ طَعْمُهُ، حَنِثَ. وَلِذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، فَأَكَلَ طَبِيخًا فِيهِ لَبَنٌ، أَوْ لَا يَأْكُلُ خَلًّا، فَأَكَلَ طَبِيخًا فِيهِ خَلٌّ، يَظْهَرُ طَعْمُهُ فِيهِ، حَنِثَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْرِدْهُ بِالْأَكْلِ. وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَأَضَافَ إلَيْهِ غَيْرَهُ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ أَكَلَهُ ثُمَّ أَكَلَ غَيْرَهُ.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ]
(٨١٣٧) فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا، فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ شَعِيرًا فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا، فَأَكَلَ مُنَصَّفًا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَهْلَكُ فِي الْحِنْطَةِ، فَأَشْبَهَ السَّمْنَ فِي الْخَبِيصِ. وَإِنْ نَوَى بِيَمِينِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ الشَّعِيرَ مُنْفَرِدًا، أَوْ كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، أَوْ يَقْتَضِي أَكْلَ شَعِيرٍ يُظْهِرُ أَثَرَ أَكْلِهِ، لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِذَلِكَ، لِمَا قَدَّمْنَا.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَة]
(٨١٣٨) فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً، حَنِثَ بِأَكْلِ كُلِّ مَا يُسَمَّى فَاكِهَةً، وَهِيَ كُلُّ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ مِنْ الشَّجَرَةِ يُتَفَكَّهُ بِهَا، مِنْ الْعِنَبِ، وَالرُّطَبِ، وَالرُّمَّانِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالْكُمَّثْرَى، وَالْخَوْخِ، وَالْمِشْمِشِ، وَالْأُتْرُجِّ، وَالتُّوتِ، وَالنَّبْقِ، وَالْمَوْزِ، وَالْجَوْزِ، وَالْجُمَّيْزِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالرُّمَّانِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: ٦٨] . وَالْمَعْطُوفُ يُغَايِرُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُمَا ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ يُتَفَكَّهُ بِهِمَا، فَكَانَا مِنْ الْفَاكِهَةِ، كَسَائِرِ مَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُمَا فِي عُرْفِ النَّاسِ فَاكِهَةٌ، وَيُسَمَّى بَائِعُهُمَا فَاكِهَانِيًّا. وَمَوْضِعُ بَيْعِهِمَا دَارَ الْفَاكِهَةِ، وَالْأَصْلُ فِي الْعُرْفِ الْحَقِيقَةُ، وَالْعَطْفُ لِشَرَفِهِمَا وَتَخْصِيصِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: ٩٨] . وَهُمَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ، فَأَمَّا يَابِسُ هَذِهِ الْفَوَاكِهِ، كَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالتِّينِ وَالْمِشْمِشِ الْيَابِسِ وَالْإِجَّاصِ وَنَحْوِهَا، فَهُوَ مِنْ الْفَاكِهَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَرُ شَجَرَةٍ يُتَفَكَّهُ بِهَا.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُدَّخَرُ، وَمِنْهُ مَا يُقْتَاتُ، فَأَشْبَهَ الْحُبُوبَ. وَالزَّيْتُونُ لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَفَكَّهُ بِأَكْلِهِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ زَيْتُهُ، وَمَا يُؤْكَلُ مِنْهُ يُقْصَدُ بِهِ التَّأَدُّمُ لَا التَّفَكُّهُ. وَالْبُطْمُ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ زَيْتُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَاكِهَةٌ؛ لِأَنَّهُ ثَمَرُ شَجَرٍ يُؤْكَلُ غَضًّا وَيَابِسًا عَلَى جِهَتِهِ، فَأَشْبَهَ التُّوتَ. وَالْبَلُّوطُ لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَفَكَّهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ عِنْدَ الْمَجَاعَةِ، أَوْ التَّدَاوِي.
وَكَذَلِكَ سَائِرُ ثَمَرِ شَجَرِ الْبَرِّ الَّذِي لَا يُسْتَطَابُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute