للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِقُّهُ. فَإِنْ ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ، فَاعْتَرَفَ لِأَحَدِهِمَا، فَهُوَ لِمَنْ اعْتَرَفَ لَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الطِّفْلَ وَالثَّوْبَ. وَلَنَا، أَنَّهُ إنَّمَا حُكْمَ بِرِقِّهِ بِاعْتِرَافِهِ، فَكَانَ مَمْلُوكًا لِمَنْ اعْتَرَفَ لَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَيْهِ. وَيُخَالِفُ الثَّوْبَ وَالطِّفْلَ؛ فَإِنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ فِيهِمَا بِالْيَدِ، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِيهِ، وَهَاهُنَا حَصَلَ بِالِاعْتِرَافِ، وَقَدْ اخْتَصَّ بِهِ أَحَدُهُمَا، فَكَانَ مُخْتَصًّا بِهِ. فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ، تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، أَوْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، عَلَى مَا مَضَى مِنْ التَّفْصِيلِ فِيهِ.

فَإِنْ قُلْنَا بِسُقُوطِهِمَا، وَلَمْ يَعْتَرِفْ لَهُمَا بِالرِّقِّ، فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ اعْتَرَفَ لِأَحَدِهِمَا، فَهُوَ لِمَنْ اعْتَرَفَ لَهُ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُمَا مَعًا، فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ سَقَطَتَا وَصَارَتَا كَالْمَعْدُومَتَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْقُرْعَةِ أَوْ الْقِسْمَة، فَأَنْكَرَهُمَا، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى إنْكَارِهِ، وَإِنْ اعْتَرَفَ لِأَحَدِهِمَا، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى اعْتِرَافِهِ؛ لِأَنَّ رِقَّهُ ثَابِتٌ بِالْبَيِّنَةِ فَلَمْ تَبْقَ لَهُ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا ادَّعَى رَجُلَانِ دَارًا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَاعْتَرَفَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهَا لِأَحَدِهِمَا، لَمْ يُرَجَّحْ بِإِقْرَارِهِ.

[فَصْلٌ كَانَ فِي يَدِهِ صَغِيرَةٌ فَادَّعَى نِكَاحَهَا]

(٨٥٤١) فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ صَغِيرَةٌ، فَادَّعَى نِكَاحَهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَلَا يُخْلَى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ. وَلَوْ ادَّعَى رِقَّهَا قُبِلَ مِنْهُ، إذَا كَانَتْ طِفْلَةً لَا تُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَأَمَّا الْمُدَّعِي لِلنِّكَاحِ، فَهُوَ مُقِرٌّ بِحُرِّيَّتِهَا، أَوْ بِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، وَالْيَدُ لَا تَثْبُتُ عَلَى الْحُرِّ، فَإِذَا كَبِرَتْ فَاعْتَرَفَتْ لَهُ بِالنِّكَاحِ، قُبِلَ إقْرَارُهَا

[فَصْلٌ ادَّعَى مِلْكَ عَيْنٍ وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ]

(٨٥٤٢) فَصْلٌ: وَلَوْ ادَّعَى مِلْكَ عَيْنٍ، وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ وَهَبَهَا إيَّاهُ، أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ، أَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً، قُضِيَ لَهُ بِهَا. بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ هَذَا شَهِدَتْ بِأَمْرٍ خَفِيَ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْأُخْرَى، وَالْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى شَهِدَتْ بِالْأَصْلِ، فَيُمْكِنُ أَنَّهُ كَانَ مِلْكَهُ، ثُمَّ صَنَعَ بِهِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى. وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ، وَتَرَكَ دَارًا فَادَّعَى ابْنُهُ أَنَّهُ خَلَّفَهَا مِيرَاثًا، وَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا، وَأَقَامَا بِذَلِكَ بَيِّنَتَيْنِ، حُكِمَ بِهَا لِلْمَرْأَةِ، لِأَنَّهَا تَدَّعِي أَمْرًا زَائِدًا خَفِيَ عَلَى بَيِّنَةِ الِابْنِ، وَسَوَاءٌ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالشِّرَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، بِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ أَوْ مَا فِي يَدِهِ، أَوْ لَمْ تَشْهَدْ بِذَلِكَ، وَسَوَاءٌ شَهِدَتْ بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ، أَوْ لَمْ تَذْكُرْ الْقَبْضَ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا تُزَالُ يَدُ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ أَوْ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَبِيعُ مَا لَا يَمْلِكُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>