[مَسْأَلَة إذَا حَلَقَ الْمُحْرِم دُونَ الْأَرْبَعِ]
(٢٦٥٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَفِي كُلِّ شَعْرَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ) يَعْنِي إذَا حَلَقَ دُونَ الْأَرْبَعِ، فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ شَعْرَةٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَالشَّافِعِيِّ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، فِي الشَّعْرَةِ دِرْهَمٌ، وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ دِرْهَمَانِ. وَعَنْهُ، فِي كُلّ شَعْرَةٍ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَنَحْوُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. قَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ فِيمَا قَلَّ مِنْ الشَّعْرِ إطْعَامُ طَعَامٍ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْي: يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ، فَيَجِبُ فِيهِ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّدَقَةِ. وَعَنْ مَالِكٍ، فِي مَنْ أَزَالَ شَعْرًا يَسِيرًا: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ كُلِّهِ، فَأَلْحَقْنَا بِهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّأْسِ.
وَلَنَا، أَنَّ مَا ضُمِنَتْ جُمْلَتُهُ ضُمِنَتْ أَبْعَاضُهُ، كَالصَّيْدِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَجِبَ الْإِطْعَامُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ الْحَيَوَانِ إلَى الْإِطْعَامِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَهَا هُنَا أَوْجَبَ الْإِطْعَامَ مَعَ الْحَيَوَانِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ، فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ فِيمَا لَا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ، وَيَجِبُ مُدٌّ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ فِدْيَةً، فَكَانَ وَاجِبًا فِي أَقَلِّ الشَّعْرِ، وَالطَّعَامُ الَّذِي يُجْزِئُ فِيهِ إخْرَاجُهُ، وَهُوَ مَا يُجْزِئُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ ابْتِدَاءً مِنْ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، كَاَلَّذِي يَجِبُ فِي الْأَرْبَعِ.
[فَصْل مِنْ أُبِيحَ لَهُ حَلْقُ رَأْسِهِ لِأَذًى بِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْفِدْيَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ وَبَعْدَهُ]
(٢٦٥٣) فَصْلٌ: وَمَنْ أُبِيحَ لَهُ حَلْقُ رَأْسِهِ لِأَذًى بِهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْفِدْيَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ وَبَعْدَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ اشْتَكَى رَأْسَهُ، فَأَتَى عَلِيٌّ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا الْحُسَيْنُ يُشِيرُ إلَى رَأْسِهِ. فَدَعَا بِجَزُورٍ فَنَحَرَهَا، ثُمَّ حَلَقَهُ وَهُوَ بالسَّعْيَاءِ. رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ. وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ، فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى وُجُوبِهَا، كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ.
[مَسْأَلَة الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِ أَظْفَارِهِ]
(٢٦٥٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَكَذَلِكَ الْأَظْفَارُ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِ أَظْفَارِهِ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِأَخْذِهَا فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادٍ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَعَنْهُ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ بِفِدْيَةٍ
وَلَنَا، أَنَّهُ أَزَالَ مَا مُنِعَ إزَالَتُهُ لِأَجْلِ التَّرَفُّهِ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، كَحَلْقِ الشَّعْرِ. وَعَدَمُ النَّصِّ فِيهِ لَا يَمْنَعُ قِيَاسَهُ عَلَيْهِ، كَشَعْرِ الْبَدَنِ مَعَ شَعْرِ الرَّأْسِ وَالْحُكْمُ فِي فِدْيَةِ الْأَظْفَارِ كَالْحُكْمِ فِي فِدْيَةِ الشَّعْرِ سَوَاءٌ، فِي أَرْبَعَةٍ مِنْهَا دَمٌ وَعَنْهُ فِي ثَلَاثَةٍ دَمٌ. وَفِي الظُّفْرِ الْوَاحِدِ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ، وَفِي الظُّفْرَيْنِ مُدَّانِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ كَذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا بِتَقْلِيمِ أَظْفَارِ يَدٍ كَامِلَةٍ، حَتَّى لَوْ قَلَّمَ مِنْ كُلِّ يَدٍ أَرْبَعَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَكْمِلْ مَنْفَعَةَ الْيَد، أَشْبَهَ الظُّفْرَ وَالظُّفْرَيْنِ.