لِأَنَّ ذَلِكَ إسْقَاطُ حَقٍّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ غَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ شَفَعَ أُسَامَةُ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ وَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي حُكْمِهِ.
[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَكَ الْجَمَاعَةُ فِي سَرِقَةٍ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ]
(٧٣١٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَكَ الْجَمَاعَةُ فِي سَرِقَةٍ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، قُطِعُوا) وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ تَبْلُغَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَمْ يَسْرِقْ نِصَابًا، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَطْعٌ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِدُونِ النِّصَابِ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ هَاهُنَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ وَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، فَلَا يَجِبُ، وَالِاحْتِيَاطُ بِإِسْقَاطِهِ أَوْلَى مِنْ الِاحْتِيَاطِ بِإِيجَابِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ النِّصَابَ أَحَدُ شَرْطَيْ الْقَطْعِ، فَإِذَا اشْتَرَكَ الْجَمَاعَةُ فِيهِ كَانُوا كَالْوَاحِدِ، قِيَاسًا عَلَى هَتْكِ الْحِرْزِ؛ وَلِأَنَّ سَرِقَةَ النِّصَابِ فِعْلٌ يُوجِبُ الْقَطْعَ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمَاعَةُ، كَالْقِصَاصِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ كَوْنِ الْمَسْرُوقِ ثَقِيلًا يَشْتَرِكُ الْجَمَاعَةُ فِي حَمْلِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ جُزْءًا، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِجُزْءٍ مِنْهُ، لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ قَاطِعِي الْيَدِ بِقَطْعِ جُزْءٍ مِنْهَا، لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ. وَلَنَا أَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي هَتْكِ الْحِرْزِ، وَإِخْرَاجِ النِّصَابِ، فَلَزِمَهُمْ الْقَطْعُ، كَمَا لَوْ كَانَ ثَقِيلًا فَحَمَلُوهُ، وَفَارَقَ الْقِصَاصَ، فَإِنَّهُ تُعْتَمَدُ الْمُمَاثَلَةُ، وَلَا تُوجَدُ الْمُمَاثَلَةُ إلَّا أَنْ تُوجَدَ أَفْعَالُهُمْ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْيَدِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْقَصْدُ الزَّجْرُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مُمَاثَلَةٍ، وَالْحَاجَةُ إلَى الزَّجْرِ عَنْ إخْرَاجِ الْمَالِ، وَسَوَاءٌ دَخَلَا الْحِرْزَ مَعًا، أَوْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فَأَخْرَجَ بَعْضَ النِّصَابِ، ثُمَّ دَخَلَ الْآخَرُ فَأَخْرَجَ بَاقِيَهُ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي هَتْكِ الْحِرْزِ وَإِخْرَاجِ النِّصَابِ، فَلَزِمَهُمَا الْقَطْعُ، كَمَا لَوْ حَمَلَاهُ مَعًا.
[فَصْلٌ كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِمَّنْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ]
(٧٣١٥) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِمَّنْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، كَأَبِي الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، قُطِعَ شَرِيكُهُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، كَمَا لَوْ شَارَكَهُ فِي قَطْعِ يَدِ ابْنِهِ. وَالثَّانِي: لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ سَرِقَتَهُمَا جَمِيعًا صَارَتْ عِلَّةً لِقَطْعِهِمَا، وَسَرِقَةُ الْأَبِ لَا تَصْلُحُ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا لَهُ أَخْذُهُ، بِخِلَافِ قَطْعِ يَدِ ابْنِهِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ تَمَحَّضَ عُدْوَانًا، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ لِفَضِيلَةِ الْأَبِ، لَا لِمَعْنًى فِي فِعْلِهِ، وَهَا هُنَا فِعْلُهُ قَدْ تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ الْقَطْعُ بِهِ، كَاشْتِرَاكِ الْعَامِدِ وَالْخَاطِئِ. وَإِنْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا، وَجَبَ الْقَطْعُ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِمَا يُوجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute