للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل كَانَ الْعَدُوُّ الَّذِي حَصَرَ الْحَاجَّ مُسْلِمِينَ فَأَمْكَنَ الِانْصِرَافُ كَانَ أَوْلَى مِنْ قِتَالِهِمْ]

(٢٤٣٧) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْعَدُوُّ الَّذِي حَصَرَ الْحَاجَّ مُسْلِمِينَ، فَأَمْكَنَ الِانْصِرَافُ، كَانَ أَوْلَى مِنْ قِتَالِهِمْ؛ لِأَنَّ فِي قِتَالِهِمْ مُخَاطَرَةً بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَقَتْلَ مُسْلِمٍ، فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى. وَيَجُوزُ قِتَالُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَعُدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَنْعِهِمْ طَرِيقَهُمْ، فَأَشْبَهُوا سَائِرَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ، لَمْ يَجِبْ قِتَالُهُمْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ؛ إذَا بَدَءُوا بِالْقِتَالِ، أَوْ وَقَعَ النَّفِيرُ فَاحْتِيجَ إلَى مَدَدٍ؛ وَلَيْسَ هَاهُنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا.

لَكِنْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُسْلِمِينَ الظَّفَرُ بِهِمْ، اُسْتُحِبَّ قِتَالُهُمْ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْجِهَادِ، وَحُصُولِ النَّصْرِ، وَإِتْمَامِ النُّسُكِ. وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ ظَفَرُ الْكُفَّارِ، فَالْأَوْلَى الِانْصِرَافُ؛ لِئَلَّا يُغَرِّرُوا بِالْمُسْلِمِينَ. وَمَتَى احْتَاجُوا فِي الْقِتَالِ إلَى لُبْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَالدِّرْعِ وَالْمِغْفَرِ، فَعَلُوا، وَعَلَيْهِمْ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ لُبْسَهُمْ لِأَجْلِ أَنْفُسِهِمْ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَبِسُوا لِلِاسْتِدْفَاءِ مِنْ دَفْعِ بَرْدٍ.

[فَصْل أَذِنَ الْعَدُوُّ لِلْمُحْصَرَيْنِ فِي الْعُبُور فَلَمْ يَثِقُوا بِهِمْ]

(٢٤٣٨) فَصْلٌ: فَإِنْ أَذِنَ لَهُمْ الْعَدُوُّ فِي الْعُبُورِ، فَلَمْ يَثِقُوا بِهِمْ، فَلَهُمْ الِانْصِرَافُ؛ لِأَنَّهُمْ خَائِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَأْمَنُوهُمْ، وَإِنْ وَثِقُوا بِأَمَانِهِمْ، وَكَانُوا مَعْرُوفِينَ بِالْوَفَاءِ، لَزِمَهُمْ الْمُضِيُّ عَلَى إحْرَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ حَصْرُهُمْ، وَإِنْ طَلَبَ الْعَدُوُّ خَفَارَةً عَلَى تَخْلِيَةِ الطَّرِيقِ، وَكَانَ مِمَّنْ لَا يُوثَقُ بِأَمَانِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُمْ بَذْلُهُ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ بَاقٍ مَعَ الْبَذْلِ، وَإِنْ كَانَ مَوْثُوقًا بِأَمَانِهِ وَالْخَفَارَةُ كَثِيرَةٌ، لَمْ يَجِبْ بَذْلُهُ، بَلْ يُكْرَهُ إنْ كَانَ الْعَدُوُّ كَافِرًا؛ لِأَنَّ فِيهِ صَغَارًا وَتَقْوِيَةً لِلْكُفَّارِ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ بَذْلِهِ، كَالزِّيَادَةِ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَجِبُ بَذْلُ خَفَارَةٍ بِحَالٍ، وَلَهُ التَّحَلُّلُ، كَمَا أَنَّهُ فِي ابْتِدَاءِ الْحَجِّ لَا يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آمِنًا مِنْ غَيْرِ خَفَارَةٍ.

[مَسْأَلَة مُنِعَ الْحَاجّ مِنْ الْوُصُول إلَى الْبَيْت بِمَرَضِ أَوْ ذَهَاب نَفَقَة]

(٢٤٣٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ بِمَرَضٍ، أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، بَعَثَ بِهَدْيٍ، إنْ كَانَ مَعَهُ، لِيَذْبَحَهُ بِمَكَّةَ، وَكَانَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْبَيْتِ) الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى الْبَيْتِ بِغَيْرِ حَصْرِ الْعَدُوِّ، مِنْ مَرَضٍ، أَوْ عَرَجٍ، أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، وَنَحْوِهِ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِذَلِكَ.

رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَرْوَانَ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَهُ التَّحَلُّلُ بِذَلِكَ. رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كُسِرَ، أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

وَلِأَنَّهُ مُحْصَرٌ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] . يُحَقِّقُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>