عَلَى الْكَسْبِ، وَإِنَّمَا لَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، فَهُوَ كَالْحُرِّ الْمَدِينِ.
[مَسْأَلَة حَاضَتْ الْمَرْأَة وَهِيَ مُعْتَكِفَة فِي الْمَسْجِد]
(٢١٨٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ، خَرَجَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَضَرَبَتْ خِبَاءً فِي الرَّحْبَةِ) أَمَّا خُرُوجُهَا مِنْ الْمَسْجِدِ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ حَدَثٌ يَمْنَعُ اللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ، فَهُوَ كَالْجَنَابَةِ، وَآكَدُ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ، وَلَا جُنُبٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ الْمَسْجِدَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَحْبَةٌ، رَجَعَتْ إلَى بَيْتِهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ فَأَتَمَّتْ اعْتِكَافَهَا، وَقَضَتْ مَا فَاتَهَا، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مُعْتَادٌ وَاجِبٌ، أَشْبَهَ الْخُرُوجَ لِلْجُمُعَةِ، أَوْ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ.
وَإِنْ كَانَتْ لَهُ رَحْبَةٌ خَارِجَةٌ مِنْ الْمَسْجِدِ، يُمْكِنُ أَنْ تَضْرِبَ فِيهَا خِبَاءَهَا، فَقَالَ الْخِرَقِيِّ: تَضْرِبُ خِبَاءَهَا فِيهَا مُدَّةَ حَيْضِهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي قِلَابَةَ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: تَضْرِبُ فُسْطَاطَهَا فِي دَارِهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ قَضَتْ تِلْكَ الْأَيَّامَ، وَإِنْ دَخَلَتْ بَيْتًا أَوْ سَقْفًا اسْتَأْنَفَتْ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: تَرْجِعُ إلَى مَنْزِلِهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْتَرْجِعْ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَلْزَمْهَا الْإِقَامَةُ فِي رَحْبَتِهِ، كَالْخَارِجَةِ لِعِدَّةٍ، أَوْ خَوْفِ فِتْنَةٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ مَا رَوَى الْمِقْدَامُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنَّ الْمُعْتَكِفَاتُ إذَا حِضْنَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِهِنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَأَنْ يَضْرِبْنَ الْأَخْبِيَةَ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ، حَتَّى يَطْهُرْنَ» . رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ. وَفَارَقَ الْمُعْتَدَّةَ، فَإِنَّ خُرُوجَهَا لِتُقِيمَ فِي بَيْتِهَا وَتَعْتَدَّ فِيهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ الْكَوْنِ فِي الرَّحْبَةِ، وَكَذَلِكَ الْخَائِفَةُ مِنْ الْفِتْنَةِ خُرُوجُهَا لِتَسْلَم مِنْ الْفِتْنَةِ، فَلَا تُقِيمُ فِي مَوْضِعٍ لَا تَحْصُلُ السَّلَامَةُ بِالْإِقَامَةِ فِيهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ إقَامَتَهَا فِي الرَّحْبَةِ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.
وَإِنْ لَمْ تُقِمْ فِي الرَّحْبَةِ، وَرَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهَا أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِإِذْنِ الشَّرْعِ. وَمَتَى طَهُرَتْ رَجَعَتْ إلَى الْمَسْجِدِ، فَقَضَتْ وَبَنَتْ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِعُذْرٍ مُعْتَادٍ، أَشْبَهَ الْخُرُوجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَقَوْلُ إبْرَاهِيمَ تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. (٢١٨٥)
فَصْلٌ: فَأَمَّا الِاسْتِحَاضَةُ فَلَا تَمْنَعُ الِاعْتِكَافَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَلَا الطَّوَافَ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ: «اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، وَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute