إلَّا الْأَطِبَّاءُ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي دَاءٍ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْأَطِبَّاءُ، أَوْ فِي دَاءِ الدَّابَّةِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ إذَا قُدِرَ عَلَى طَبِيبِينَ، أَوْ بَيْطَارَيْنِ، لَا يُجْزِئُ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، فَلَمْ تُقْبَلْ فِيهِ شَهَادَةُ وَاحِدٍ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى اثْنَيْنِ، أَجْزَأَ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَة، فَاجْتُزِئَ فِيهِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ، بِمَنْزِلَةِ الْعُيُوبِ تَحْتَ الثِّيَابِ، يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ، فَقَبُولُ قَوْلِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ أَوْلَى.
[فَصْل اشْهَدْ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَمِائَة دِرْهَمٍ فَشَهِدَ عَلَى مِائَةٍ دُونَ مِائَةٍ]
(٨٤٩٤) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إذَا قَالَ: اشْهَدْ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ. فَشَهِدَ عَلَى مِائَةٍ دُونَ مِائَةٍ، كَرِهَ، إلَّا أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ وَلِي عَلَى مِائَةٍ وَمِائَةٍ. يَحْكِيه كُلَّهُ لِلْحَاكِمِ كَمَا كَانَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إذَا شَهِدَ عَلَى أَلْفٍ، وَكَانَ الْحَاكِم لَا يَحْكُمُ إلَّا عَلَى مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ: أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَ لِي عَلَى مِائَةٍ، لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِأَلْفٍ. قَالَ الْقَاضِي: وَذَلِكَ أَنَّ عَلَى الشَّاهِدِ نَقْلَ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا شَهِدَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة: ١٠٨] .
وَلِأَنَّهُ لَوْ سَاغَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِبَعْضِ مَا أُشْهِدَ عَلَيْهِ، لَسَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِبَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: عِنْدِي يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ شَهِدَ بِأَلْفٍ، فَقَدْ شَهِدَ بِمِائَةٍ، فَإِذَا شَهِدَ بِمِائَةٍ، لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا فِي شَهَادَتِهِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ كَانَ قَدْ أَقْرَضَهُ مِائَةً مَرَّةً، وَتِسْعَمِائَةٍ مَرَّةً أُخْرَى. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُ بِمِائَةٍ رُبَّمَا أَوْهَمَتْ أَنَّ هَذِهِ الْمِائَةَ غَيْرُ الَّتِي شَهِدَتْ بِأَصْلِهِ، فَيُؤَدِّي إلَى إيجَابِهَا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ.
[فَصْل شَهِدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَة دِينَارٍ]
(٨٤٩٥) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: إذَا شَهِدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ، فَلَهُ مِنْ دَرَاهِمِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَدَنَانِيرِهِ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُحْمَلَ مُطْلَقُ الْعَقْدِ عَلَى ذَلِكَ، جَازَ أَنْ تُحْمَلَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute