فَقَالَ الرَّامِي: خُسِقَتْ، وَهَذِهِ الْجِلْدَةُ قَطَعَهَا سَهْمِي لِشِدَّةِ الرَّمْيَةِ. فَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ، وَقَالَ: بَلْ هِيَ كَانَتْ مَقْطُوعَةً. فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْغَرَضَ كَانَ صَحِيحًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّامِي، وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا؛ إنْ كَانَ الْهَدَفُ رِخْوًا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا صُلْبًا، اُعْتُدَّ بِهِ، وَإِنْ وَقَعَ سَهْمُهُ فِي سَهْمٍ ثَابِتٍ فِي الْغَرَضِ، اُعْتُدَّ لَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ شَرْطُهُمَا خَوَاسِقَ، لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ لَوْلَا فَوْقَ السَّهْمِ الثَّابِتِ لَخَسَقَ. وَإِنْ أَصَابَ السَّهْمُ، ثُمَّ سَبَحَ عَنْهُ، فَخَسَقَ، اُحْتُسِبَ لَهُ بِهِ.
[فَصْلٌ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ ارْمِ هَذَا السَّهْمَ فَإِنْ أَصَبْت بِهِ فَلَكَ دِرْهَمٌ]
(٧٩٣٦) فَصْلٌ: إذَا قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: ارْمِ هَذَا السَّهْمَ، فَإِنْ أَصَبْت بِهِ، فَلَكَ دِرْهَمٌ. صَحَّ، وَكَانَ جَعَالَةً؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالًا لَهُ فِي فِعْلٍ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا نِضَالًا؛ لِأَنَّ النِّضَالَ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَةٍ عَلَى أَنْ يَرْمُوا جَمِيعًا، وَيَكُونُ الْجُعْلُ لِبَعْضِهِمْ إذَا كَانَ سَابِقًا. وَإِنْ قَالَ: إنْ أَصَبْت بِهِ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ أَخْطَأْت فَعَلَيْك دِرْهَمٌ. لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قِمَارٌ. وَإِنْ قَالَ: ارْمِ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ، فَإِنْ كَانَ صَوَابُك أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِك، فَلَكَ دِرْهَمٌ. صَحَّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْجُعْلَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِصَابَةِ الْمَعْلُومَةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعَشَرَةِ أَقَلُّهُ سِتَّةٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَقَلِّ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ. وَإِنْ قَالَ: إنْ كَانَ صَوَابُك أَكْثَرَ، فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ أَصَبْت بِهِ دِرْهَمٌ. صَحَّ.
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: ارْمِ عَشَرَةً، وَلَك بِكُلِّ سَهْمٍ أَصَبْت بِهِ مِنْهَا دِرْهَمٌ. أَوْ قَالَ: فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ زَائِدٍ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْمُصِيبَاتِ دِرْهَمٌ. لِأَنَّ الْجُعْلَ مَعْلُومٌ بِتَقْدِيرِهِ بِالْإِصَابَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ اسْتَقِ لِي مِنْ هَذَا الْبِئْرِ، وَلَك بِكُلِّ دَلْوٍ تَمْرَةٌ. أَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي، فَلَهُ بِكُلِّ عَبْدٍ دِرْهَمٌ. وَإِنْ قَالَ: وَإِنْ كَانَ خَطَؤُك أَكْثَرَ، فَعَلَيْك دِرْهَمٌ. أَوْ نَحْوَ هَذَا، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ قِمَارٌ. وَإِنْ قَالَ: ارْمِ عَشَرَةً، فَإِنْ أَخْطَأْتهَا فَعَلَيْك دِرْهَمٌ. أَوْ نَحْوَ هَذَا، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْقَابِلِ عَمَلٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا. وَلَوْ قَالَ الرَّامِي لِأَجْنَبِيٍّ: إنْ أَخْطَأْت، فَلَكَ دِرْهَمٌ. لَمْ يَصِحَّ؛ لِذَلِكَ.
[فَصْلٌ عَقَدَا النِّضَالَ وَلَمْ يَذْكُرَا قَوْسًا]
(٧٩٣٧) فَصْلٌ: وَإِذَا عَقَدَا النِّضَالَ، وَلَمْ يَذْكُرَا قَوْسًا، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْقَوْسِ، إمَّا الْعَرَبِيَّةِ، وَإِمَّا الْعَجَمِيَّةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَذْكُرَا نَوْعَ الْقَوْسِ الَّذِي يَرْمِيَانِ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِالتَّعْيِينِ لِلنَّوْعِ، فَيَجِبُ ذَلِكَ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا يَرْمِيَانِ بِالنُّشَّابِ فِي الِابْتِدَاءِ، صَحَّ، وَيَنْصَرِفُ إلَى الرَّمْيِ بِالْقَوْسِ الْأَعْجَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ سِهَامَهَا هُوَ الْمُسَمَّى بِالنُّشَّابِ، وَسِهَامُ الْعَرَبِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute