وَقَدْ نَقَلَ مُهَنَّا، عَنْ أَحْمَدَ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَخْدُمَهَا سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ، كَيْفَ يَكُونُ هَذَا؟ قِيلَ لَهُ: فَامْرَأَةٌ يَكُونُ لَهَا ضِيَاعٌ وَأَرْضُونَ، لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَعْمُرَهَا؟ ، قَالَ: لَا يَصْلُحُ هَذَا: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ مَعْلُومَةً جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً لَا تَنْضَبِطُ فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا. كَأَنَّهُ تَأَوَّلَ مَسْأَلَةَ مُهَنَّا عَلَى أَنَّ الْخِدْمَةَ مَجْهُولَةٌ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ.
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ التَّزْوِيجُ عَلَى بِنَاءِ الدَّارِ، وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ، وَعَمَلِ شَيْءٍ، جَائِزٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا كَالْأَعْيَانِ. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَأْتِيَهَا بِعَبْدِهَا الْآبِقِ مِنْ مَكَان مُعَيَّنٍ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَنْهُ. وَإِنْ أَصْدَقَهَا الْإِتْيَانَ بِهِ أَيْنَ كَانَ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ.
[فَصْلٌ نَكَحَهَا عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهَا]
(٥٥٥٤) فَصْلٌ: وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهَا، لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَأَبُو عُبَيْدٍ: يَصِحُّ، وَلَنَا أَنَّ الْحُمْلَانَ مَجْهُولٌ، لَا يُوقَفُ لَهُ عَلَى حَدٍّ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا شَيْئًا. فَعَلَى هَذَا لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ.
[فَصْلٌ أَصْدَقَهَا خِيَاطَةَ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ فَهَلَكَ الثَّوْبُ]
(٥٥٥٥) فَصْلٌ: وَإِنْ أَصْدَقَهَا خِيَاطَةَ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ، فَهَلَكَ الثَّوْبُ، لَمْ تَفْسُدْ التَّسْمِيَةُ، وَلَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ تَسْلِيمِ مَا أَصْدَقَهَا بِعَيْنِهِ لَا يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا قَفِيزَ حِنْطَةٍ فَهَلَكَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ خِيَاطَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَى الْعَمَلِ فِيهِ تَلَفٌ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى عِوَضِ الْعَمَلِ، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ عَبْدِهَا صِنَاعَةً فَمَاتَ قَبْلَ التَّعْلِيمِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ خِيَاطَتِهِ مَعَ بَقَاءِ الثَّوْبِ لَمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ مُقَامَهُ مَنْ يَخِيطُهُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ خِيَاطَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَيْهِ خِيَاطَةُ نِصْفِهِ إنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ نِصْفِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ أَجْرِ خِيَاطَتِهِ إلَّا أَنْ يَبْذُلَ خِيَاطَةَ أَكْثَرِ مِنْ نِصْفِهِ بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ خَاطَ النِّصْفَ يَقِينًا، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْد خِيَاطَتِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ أَجْرِهِ.
[فَصْلٌ إنَّ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ صِنَاعَةٍ أَوْ تَعْلِيمَ عَبْدِهَا صِنَاعَةً صَحَّ]
(٥٥٥٦) فَصْلٌ: وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ صِنَاعَةٍ أَوْ تَعْلِيمَ عَبْدِهَا صِنَاعَةً صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَجَازَ جَعْلُهَا صَدَاقًا كَخِيَاطَةِ ثَوْبِهَا. وَإِنْ أَصْدَقِهَا تَعْلِيمَهُ أَوْ تَعْلِيمَهَا شِعْرًا مُبَاحًا مُعَيَّنًا أَوْ فِقْهًا أَوْ لُغَةً أَوْ نَحْوًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَجُوزُ أَخَذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِهَا جَازَ وَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فَجَازَ صَدَاقًا كَمَنَافِعِ الدَّارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute