وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي لِشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ، وَيَنْتَفِعَ بِهِ فِي أَشْبَاهِ ذَلِكَ، مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، إذَا لَمْ يَدْخُلْ إلَيْهِ فِي مَكَان مُحَوَّطٍ عَلَيْهِ. وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ كَانَ بِفَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ، فَمَنَعَهُ ابْنَ السَّبِيلِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ بُهَيْسَة، عَنْ أَبِيهَا، أَنَّهُ قَالَ: «يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: الْمَاءُ. قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: الْمِلْحُ. قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرٌ لَك.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فِي الْعَادَةِ، وَهُوَ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ صَاحِبِ النَّهْرِ. فَأَمَّا مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَسَقْيِ الْمَاشِيَةِ الْكَثِيرَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ الْمَاءُ عَنْ حَاجَةِ صَاحِبِهِ، لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ، لَمْ يَلْزَمْهُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
[فَصْلٌ كَانَ النَّهْرُ أَوْ السَّاقِيَةُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ]
(٤٣٥٩) فَصْلٌ: إذَا كَانَ النَّهْرُ أَوْ السَّاقِيَةُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ، فَإِنْ أَرَادُوا إكْرَاءَهُ أَوْ سَدَّ بَثْقٍ فِيهِ، أَوْ إصْلَاحَ حَائِطِهِ، أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ، كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَلَى حَسَبِ مِلْكِهِمْ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَدْنَى إلَى أَوَّلِهِ مِنْ بَعْضٍ، اشْتَرَكَ الْكُلُّ فِي إكْرَائِهِ وَإِصْلَاحِهِ، إلَى أَنْ يَصِلُوا إلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَيَشْتَرِكُ الْبَاقُونَ حَتَّى يَصِلُوا إلَى الثَّانِي، ثُمَّ يَشْتَرِكُ مَنْ بَعْدَهُ كَذَلِكَ، كُلَّمَا انْتَهَى الْعَمَلُ إلَى مَوْضِعِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَهُ شَيْءٌ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: يَشْتَرِكُ جَمِيعُهُمْ فِي إكْرَائِهِ كُلِّهِ، لِأَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِجَمِيعِهِ، فَإِنَّ مَا جَاوَزَ الْأَوَّلَ مَصَبٌّ لِمَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْقِ أَرْضَهُ. وَلَنَا أَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا يَنْتَفِعُ بِالْمَاءِ الَّذِي فِي مَوْضِعِ شُرْبِهِ، وَمَا بَعْدَهُ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مَنْ دُونَهُ، فَلَا يُشَارِكُهُمْ فِي مُؤْنَتِهِ، كَمَا لَا يُشَارِكُهُمْ فِي نَفْعِهِ، فَإِنْ كَانَ يَفْضُلُ عَنْ جَمِيعِهِمْ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى مَصْرِفٍ، فَمُؤْنَةُ ذَلِكَ الْمَصْرِفِ عَلَى جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، كَأَوَّلِهِ.
[مَسْأَلَة إحْيَاءُ الْأَرْضِ أَنْ يُحَوِّطَ عَلَيْهَا حَائِطًا]
(٤٣٦٠) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ أَنْ يُحَوِّطَ عَلَيْهَا حَائِطًا) ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ تَحْوِيطَ الْأَرْضِ إحْيَاءٌ لَهَا، سَوَاءٌ أَرَادَهَا لِلْبِنَاءِ، أَوْ لِلزَّرْعِ، أَوْ حَظِيرَةً لِلْغَنَمِ، أَوْ الْخَشَبِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، فَقَالَ: الْإِحْيَاءُ أَنْ يُحَوِّطَ عَلَيْهَا حَائِطًا، أَوْ يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ نَهْرًا. وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ تَسْقِيفٌ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ، فَهِيَ لَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي " مُسْنَدِهِ ".
وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ. وَلِأَنَّ الْحَائِطَ حَاجِزٌ مَنِيعٌ، فَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute