للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ إنْ كَانَ الرَّجُلُ صَحِيحًا جَلْدًا وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ هَلْ يُعْطَى مِنْ الْغَنِيمَة]

(٥٠٩٩) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ صَحِيحًا جَلْدًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ، أُعْطِيَ مِنْهَا، وَقُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، إذَا لَمْ يُعْلَمْ يَقِينُ كَذِبِهِ، وَلَا يُحَلِّفُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطَى الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ سَأَلَاهُ، وَلَمْ يُحَلِّفْهُمَا.» وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ، أَنَّهُ قَالَ: «أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْنَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَصَعَّدَ فِينَا الْبَصَرَ وَصَوَّبَهُ، فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

[فَصْلٌ إنَّ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عِيَالًا فِي مَصَارِف الصَّدَقَة]

(٥١٠٠) فَصْلٌ: فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عِيَالًا، فَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: يُقَلَّدُ وَيُعْطَى لَهُمْ، كَمَا يُقَلَّدُ فِي دَعْوَى حَاجَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ عِنْدِي لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِيَالِ، وَلَا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَفَارَقَ مَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ، فَإِنَّهُ يَدَّعِي مَا يُوَافِقُ الْأَصْلَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَسْبِ وَالْمَالِ، وَتَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. وَلَوْ ادَّعَى الْفَقْرَ مَنْ عُرِفَ بِالْغِنَى، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِأَنَّ مَالَهُ تَلِفَ أَوْ نَفِدَ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ؛ رَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ» .

وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ عَلَى الْفَقْرِ ثَلَاثَةٌ، أَوْ يُكْتَفَى بِاثْنَيْنِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَكْفِي إلَّا ثَلَاثَةٌ؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. وَالثَّانِي، يُقْبَلُ قَوْلُ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا يُقْبَلُ فِي الْفَقْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ، فَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى، وَالْخَبَرُ إنَّمَا وَرَدَ فِي حِلِّ الْمَسْأَلَةِ، فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ، قُبِلَ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَسْتَحْلِفْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَحْلِفْ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ رَآهُمَا جَلْدَيْنِ. فَإِنْ رَآهُ مُتَجَمِّلًا قَبِلَ قَوْلَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْغِنَى، بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: ٢٧٣]

لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَهُ أَنْ مَا يُعْطِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ. وَإِنْ رَآهُ ظَاهِرَ الْمَسْكَنَةِ، أَعْطَاهُ مِنْهَا، وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ شَرْطَ جَوَازِ الْأَخْذِ، وَلَا أَنَّ مَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ زَكَاةٌ. قَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ زَكَاتَهُ إلَى رَجُلٍ: هَلْ يَقُولُ لَهُ: هَذِهِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: يُعْطِيهِ وَيَسْكُتُ، وَلَا يُقْرِعُهُ. فَاكْتَفَى بِظَاهِرِ حَالِهِ عَنْ سُؤَالِهِ وَتَعْرِيفِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>