للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصُّلْحِ أَعْظَمُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَعُودُ عَلَى الْجَيْشِ كُلِّهِ، وَرُبَّمَا عَادَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فِي كَوْنِ هَذِهِ الْقَلْعَةِ يَتَعَذَّرُ فَتْحُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَبْقَى ضَرَرُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

وَلَا يَجُوزُ تَحَمُّلُ هَذِهِ الْمُضِرَّةِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ يَسِيرٍ عَنْ وَاحِدٍ، فَإِنَّ ضَرَرَ صَاحِبِ الْجُعْلِ إنَّمَا هُوَ فِي فَوَاتِ عَيْنِ الْجُعْلِ، وَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَ عَيْنِ الشَّيْءِ وَقِيمَتِهِ يَسِيرٌ، سِيَّمَا وَهُوَ فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَمُرَاعَاةُ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ بِدَفْعِ الضَّرَرِ الْكَثِيرِ عَنْهُمْ، أَوْلَى مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ الْيَسِيرِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي مَنْ وَجَدَ مَالَهُ قَبْلَ قَسْمِهِ: فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ قَسْمِهِ، لَمْ يَأْخُذْهُ إلَّا بِثَمَنِهِ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الضَّرَرِ بِنَقْصِ الْقِيمَةِ، أَوْ حِرْمَانِ مَنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي سَهْمِهِ.

[فَصْلٌ النَّفَلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ]

(٧٤٦٥) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: وَالنَّفَلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ. هَذَا قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَفُقَهَاءِ الشَّامِ؛ مِنْهُمْ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ، وَعُبَادَةَ بْنُ نُسَيٍّ، وَعَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ، وَمَكْحُولٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ، وَيَحْيَى بْنُ جَابِرٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالنَّاسُ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا. قَالَ أَحْمَدُ: وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولَانِ: لَا نَفْلَ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ. فَكَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِمَا هَذَا مَعَ عِلْمِهِمَا، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَطَائِفَةٌ: إنْ شَاءَ الْإِمَامُ نَفَلَهُمْ قَبْلَ الْخُمُسِ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهُ.

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: وَإِنَّمَا النَّفَلُ قَبْلَ الْخُمُسِ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ. وَلَنَا مَا رَوَى مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ، قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَقُولُ: «لَا نَفْلَ إلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَهَذَا صَرِيحٌ.

وَحَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنَفِّلُ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَالثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ» . وَحَدِيثُ جَرِيرٍ حِينَ قَالَ لَهُ عُمَرُ وَلَك الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَلَ الثُّلُثَ، وَلَا يَتَصَوَّرُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْخُمُسِ.

وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] . يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْخُمُسُ خَارِجًا مِنْ الْغَنِيمَةِ كُلِّهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَقَدْ رَوَاهُ شُعَيْبٌ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَيْشٍ قِبَلَ نَجْدٍ، وَابْتُعِثَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ الْجَيْشِ، فَكَانَ سُهْمَانُ الْجَيْشِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنَفَلَ أَهْلَ السَّرِيَّةِ بَعِيرًا بَعِيرًا، فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا» .

فَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نَفْلُهُمْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ دُونَ بَقِيَّةِ الْجَيْشِ، كَمَا تُنْفَلَ السَّرَايَا. وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْخَبَرِ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَى جَمِيعَ الْجَيْشِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَفْلًا، وَكَانَ قَدْ قَسَمَ لَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَهُوَ خِلَافُ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>