للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْهُ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ تَعْيِينُ النِّيَّةِ، فَمَتَى نَوَاهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَنْوِ لِنَفْسِهِ، لَمْ يَقَعْ لِنَفْسِهِ، كَذَا الطَّوَافُ حَامِلًا لِغَيْرِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْ نَفْسِهِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ مَنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْحَجَّ مِمَّا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، فَجَازَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَنْ غَيْرِهِ مَنْ لَمْ يُسْقِطْ فَرْضَهُ عَنْ نَفْسِهِ، كَالزَّكَاةِ.

وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: «لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ شُبْرُمَةُ؟ قَالَ: قَرِيبٌ لِي. قَالَ: هَلْ حَجَجْت قَطُّ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِك، ثُمَّ اُحْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَهَذَا لَفْظُهُ. وَلِأَنَّهُ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَقَعْ عَنْ الْغَيْرِ، كَمَا لَوْ كَانَ صَبِيًّا.

وَيُفَارِقُ الزَّكَاةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ عَنْ الْغَيْرِ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُهَا، وَهَاهُنَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ الْغَيْرِ مَنْ شَرَعَ فِي الْحَجِّ قَبْلَ إتْمَامِهِ، وَلَا يَطُوفَ عَنْ غَيْرِهِ مَنْ لَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ عَلَيْهِ رَدَّ مَا أَخَذَ مِنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْحَجُّ عَنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَحُجُّ.

[فَصْل أُحَرِّم بِتَطَوُّعِ أَوْ نَذْر مِنْ لَمْ يَحُجّ حُجَّة الْإِسْلَام]

(٢٢٤٥) فَصْلٌ: وَإِنْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ أَوْ نَذْرٍ مَنْ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَقَعَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسٌ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يَقَعُ مَا نَوَاهُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ، وَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، لِمَا تَقَدَّمَ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُ، فَوَقَعَ عَنْ فَرْضِهِ كَالْمُطْلَقِ.

وَلَوْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ، وَعَلَيْهِ مَنْذُورَةٌ، وَقَعَتْ عَنْ الْمَنْذُورَةِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ، فَهِيَ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ النُّسُكَيْنِ، فَأَشْبَهَتْ الْآخَرَ، وَالنَّائِبُ كَالْمَنُوبِ عَنْهُ فِي هَذَا، فَمَتَى أَحْرَمَ النَّائِبُ بِتَطَوُّعٍ، أَوْ نَذْرٍ عَمَّنْ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَقَعَتْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَنُوبِ عَنْهُ.

وَإِنْ اسْتَنَابَ رَجُلَيْنِ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْذُورٍ أَوْ تَطَوُّعٍ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ بِالْإِحْرَامِ، وَقَعَتْ حَجَّتُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَتَقَعُ الْأُخْرَى تَطَوُّعًا، أَوْ عَنْ النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الْإِحْرَامُ عَنْ غَيْرِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ مِنْ نَائِبِهِ.

(٢٢٤٦) فَصْلٌ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ قَدْ أَسْقَطَ فَرْضَ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ عَنْهُ، دُونَ الْآخَرِ، جَازَ أَنْ يَنُوبَ عَنْ غَيْرِهِ، فِيمَا أَدَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>