للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْلَكُ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ، فَأَمَّا مَا عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ، فَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا مِلْكُ كَافِرٍ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ، فَأَشْبَهَ دِيَارَ عَادٍ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ»

وَلِأَنَّ الرِّكَازَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمْلِكُهُ وَاجِدُهُ، فَهَذَا أَوْلَى. قُلْنَا: قَوْلُهُ: " عَادِيُّ الْأَرْضِ ". يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ مِلْكُهُ، وَمَضَتْ عَلَيْهِ الْأَزْمَانُ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا حُكْمَ لِمَالِكِهِ. فَأَمَّا مَا قَرُبَ مِلْكُهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ مَالِكًا بَاقِيًا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ، فَلِهَذَا قُلْنَا: لَا يُمْلَكُ. عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَمَّا الرِّكَازُ، فَإِنَّهُ يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ، بِدَلِيلِ أَنَّ لُقَطَةَ دَارِ الْإِسْلَامِ تُمْلَكُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، بِخِلَافِ الْأَرْضِ.

[فَصْل لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي الْإِحْيَاءِ]

(٤٣٣٣) فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي الْإِحْيَاءِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَوَتَانُ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي» . فَجَمَعَ الْمَوَتَانَ، وَجَعَلَهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَلِأَنَّ مَوَتَانَ الدَّارِ مِنْ حُقُوقِهَا، وَالدَّارُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ مَوَاتُهَا لَهُمْ، كَمَرَافِقِ الْمَمْلُوكِ

وَلَنَا عُمُومُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» . وَلِأَنَّ هَذِهِ جِهَةً مِنْ جِهَاتِ التَّمْلِيكِ، فَاشْتَرَكَ فِيهَا الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ، كَسَائِرِ جِهَاتِهِ. وَحَدِيثُهُمْ لَا نَعْرِفُهُ، إنَّمَا نَعْرِفُ قَوْلَهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هُوَ لَكُمْ بَعْدُ، وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا مِنْ الْأَرْضِ، فَلَهُ دَفِينُهَا» . هَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَهُوَ مُرْسَلٌ، رَوَاهُ طَاوُسٌ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: " هِيَ لَكُمْ ". أَيْ لِأَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالذِّمِّيُّ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ، تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا

وَقَوْلُهُمْ: إنَّهَا مِنْ حُقُوقِ دَارِ الْإِسْلَامِ. قُلْنَا: وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ، فَيَمْلِكُهَا، كَمَا يَمْلِكُهَا بِالشِّرَاءِ، وَيَمْلِكُ مُبَاحَاتِهَا، مِنْ الْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ وَالصُّيُودِ وَالرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ وَاللُّقَطَةِ، وَهِيَ مِنْ مَرَافِقِ دَارِ الْإِسْلَامِ.

[فَصْلٌ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ مِنْ طُرُقِهِ وَمَسِيلِ مَائِهِ وَمَطْرَح قُمَامَتِهِ وَمُلْقَى تُرَابِهِ وَآلَاته]

(٤٣٣٤) فَصْلٌ: وَمَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ، وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ، مِنْ طُرُقِهِ، وَمَسِيلِ مَائِهِ، وَمَطْرَحِ قُمَامَتِهِ، وَمُلْقَى تُرَابِهِ وَآلَاتِهِ، فَلَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَكَذَلِكَ مَا تَعَلَّقَ بِمَصَالِحِ الْقَرْيَةِ، كَفِنَائِهَا، وَمَرْعَى مَاشِيَتِهَا، وَمُحْتَطَبِهَا، وَطُرُقِهَا، وَمَسِيلِ مَائِهَا، لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ أَيْضًا خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَكَذَلِكَ حَرِيمُ الْبِئْرِ وَالنَّهْرِ وَالْعَيْنِ، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا تَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ، فَهِيَ لَهُ» . مَفْهُومُهُ أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مُسْلِمٍ لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، وَلِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمَمْلُوكِ، وَلَوْ جَوَّزْنَا إحْيَاءَهُ، لَبَطَلَ الْمِلْكُ فِي الْعَامِرِ عَلَى أَهْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>