للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ، وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ، وَنَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ، قُضِيَ عَلَيْهِمْ.

وَالْخَبَرُ لَا تُعْرَفُ صِحَّتُهُ، وَمُخَالَفَةُ ابْنِ عُمَرَ لَهُ فِي الْقِصَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَلَا رَدَّهَا عُثْمَانُ. فَعَلَى هَذَا، إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ: إنْ حَلَفْت، وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك. ثَلَاثًا، فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، يَقُولُ لَهُ: لَك رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي. فَإِنْ رَدَّهَا، حَلَفَ، وَقُضِيَ لَهُ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، سُئِلَ عَنْ سَبَبِ نُكُولِهِ، فَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ أُقِيمُهَا، أَوْ حِسَابٌ أَسْتَثْبِتُهُ، لِأَحْلِفَ عَلَى مَا أَتَيَقَّنُهُ. أَخَّرَتْ الْحُكُومَةُ. وَإِنْ قَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ أَحْلِفَ. سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ، فَلَوْ بَذَلَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بَعْدَ هَذَا، لَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ، إلَى أَنْ يَعُودَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ، ثُمَّ بَذَلَهَا، سُمِعَتْ مِنْهُ، فَلِمَ مَنَعْتُمْ سَمَاعَهَا هَاهُنَا؟ قُلْنَا: الْيَمِينُ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هِيَ الْأَصْلُ، فَمَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا، أَوْ بَذَلَهَا، وَجَبَ قَبُولُهَا، وَالْمَصِيرُ إلَيْهَا، كَالْمُبْدَلَاتِ مَعَ أَبْدَالِهَا، وَأَمَّا يَمِينُ الْمُدَّعِي، فَهِيَ بَدَلٌ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهَا، لَمْ يَنْتَقِلْ الْحَقُّ إلَى غَيْرِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهَا، سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا؛ لِضَعْفِهَا.

وَأَمَّا إذَا حَلَفَ، وَقُضِيَ لَهُ، فَعَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَبَذَلَ الْيَمِينَ، لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ، وَهَكَذَا لَوْ بَذَلَهَا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، لَمْ يُسْمَعْ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ، فَلَا يُنْقَضُ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ. فَأَمَّا غَيْرُ الْمَالِ، وَمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، فَلَا يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْقِصَاصِ. وَنُقِلَ عَنْهُ، فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَهُ، فَقَالَ: اسْتَحْلِفُوهُ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَحْلِفُ. أُقِيمَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا بِالنُّكُولِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، وَالْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ.

وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقْضِي بِالنُّكُولِ فِي الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِصَاصِ، فَأَشْبَهَ النَّوْعَ الْآخَرَ. فَعَلَى هَذَا، مَا يُصْنَعُ بِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يُخْلَى سَبِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ، وَتَكُونُ فَائِدَةُ شَرْعِيَّةِ الْيَمِينِ الرَّدْعَ وَالزَّجْرَ. وَالثَّانِي، يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ. وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ الْمَرْأَةُ إذَا نَكَلَتْ عَنْ اللِّعَانِ.

[فَصْل حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى]

(٨٤٤٢) فَصْلٌ: وَإِذَا حَلَفَ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أُعِيدَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُزِيلُ حُكْمَ الْيَمِينِ. وَكَذَلِكَ إنْ وَصَلَ يَمِينَهُ بِشَرْطٍ أَوْ كَلَامٍ غَيْرِ مَفْهُومٍ. وَإِنْ حَلَفَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ الْحَاكِمُ، أُعِيدَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعْتَدَّ بِمَا حَلَفَ قَبْلَ الِاسْتِحْلَافِ. وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ الْمُدَّعِي اسْتِحْلَافَهُ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا.

[فَصْل ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا أَوَحَقًّا فَقَالَ قَدْ أَبْرَأْتنِي مِنْهُ أَوْ اسْتَوْفَيْته مِنِّي]

(٨٤٤٣) فَصْلٌ: وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا، أَوْ حَقًّا، فَقَالَ: قَدْ أَبْرَأْتنِي مِنْهُ، أَوْ اسْتَوْفَيْته مِنِّي. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>