للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هِيَ أَنَّ أَوَّلَهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَآخِرَهُ مِنْ الثَّانِي. وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، فِي كِتَابِ " الرِّوَايَتَيْنِ " لِأَنَّ الثَّانِيَ وُلِدَ فَلَا تَنْتَهِي مُدَّةُ النِّفَاسِ قَبْلَ انْتِهَائِهَا مِنْهُ كَالْمُنْفَرِدِ، فَعَلَى هَذَا تَزِيدُ مُدَّةُ النِّفَاسِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي حَقِّ مَنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " مَسَائِلِهِ "، وَأَبُو الْخَطَّابِ. فِي " الْهِدَايَةِ ": الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ مِنْ الثَّانِي فَقَطْ. وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ النِّفَاسِ مُدَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْوِلَادَةِ، فَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا وَانْتِهَاؤُهَا مِنْ الثَّانِي، كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ. فَعَلَى هَذَا مَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ قَبْلَ وِلَادَةِ الثَّانِي لَا يَكُونُ نِفَاسًا. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، كَالْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّهُ مِنْهُمَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الدَّمِ الَّذِي بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ، هَلْ هُوَ نِفَاسٌ، أَمْ لَا؟ وَهَذَا ظَاهِرُهُ إنْكَارٌ لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّ آخِرَ النِّفَاسِ مِنْ الْأَوَّلِ.

[فَصْلٌ حُكْمُ النُّفَسَاءِ حُكْمُ الْحَائِضِ]

(٤٩٩) فَصْلٌ: وَحُكْمُ النُّفَسَاءِ حُكْمُ الْحَائِضِ فِي جَمِيعِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا، وَيَسْقُطُ عَنْهَا، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ وَطْئِهَا وَحِلُّ مُبَاشَرَتِهَا، وَالِاسْتِمْتَاعُ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ مِنْهَا، وَالْخِلَافُ فِي الْكَفَّارَةِ بِوَطْئِهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَمَ النِّفَاسِ هُوَ دَمُ الْحَيْضِ، إنَّمَا امْتَنَعَ خُرُوجُهُ مُدَّةَ الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ يَنْصَرِفُ إلَى غِذَاءِ الْحَمْلِ، فَإِذَا وُضِعَ الْحَمْلُ، وَانْقَطَعَ الْعِرْقُ الَّذِي كَانَ مَجْرَى الدَّمِ، خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ، فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْحَائِضِ. وَيُفَارِقُ النِّفَاسُ الْحَيْضَ فِي أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَحْصُلُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ قَبْلَهُ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى الْبُلُوغِ؛ لِحُصُولِهِ بِالْحَمْلِ قَبْلَهُ.

[مَسْأَلَةٌ كَانَتْ لَهَا أَيَّامُ حَيْضٍ فَزَادَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَعْرِفُ]

(٥٠٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ كَانَتْ لَهَا أَيَّامٌ فَزَادَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَعْرِفُ، لَمْ تَلْتَفِتْ إلَى الزِّيَادَةِ، إلَّا أَنْ تَرَاهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَتَعْلَمَ حِينَئِذٍ أَنَّ حَيْضَهَا قَدْ انْتَقَلَ، فَتَصِيرَ إلَيْهِ فَتَتْرُكَ الْأَوَّلَ. وَإِنْ كَانَتْ صَامَتْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ مِرَارًا أَعَادَتْهُ، إذَا كَانَ صَوْمًا وَاجِبًا، وَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ أَيَّامِهَا الَّتِي كَانَتْ تَعْرِفُ، فَلَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ، حَتَّى يُعَاوِدَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)

وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي الْحَيْضِ، فَرَأَتْ الدَّمَ فِي غَيْرِ عَادَتِهَا، لَمْ تَعْتَدَّ بِمَا خَرَجَ مِنْ الْعَادَةِ حَيْضًا، حَتَّى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، أَوْ مَرَّتَيْنِ فِي الْأُخْرَى. نَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي امْرَأَةٍ لَهَا أَيَّامٌ مَعْلُومَةٌ، فَتَقَدَّمَتْ الْحَيْضَةُ قَبْلَ أَيَّامِهَا، لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهَا، تَصُومُ وَتُصَلِّي، فَإِنْ عَاوَدَهَا فِي الثَّانِيَةِ، مِثْلُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ دَمُ حَيْضٍ مُنْتَقِلٌ. وَنَقَلَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ: لَا تَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ، فَلْتُمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.

وَفِي لَفْظٍ لَهُ قَالَ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمَرْأَةِ أَيَّامُ أَقْرَائِهَا مَعْلُومَةٌ، فَرُبَّمَا زَادَ فِي الْأَشْهُرِ الْكَثِيرَةِ عَلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا، أَتُمْسِكُ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ تُصَلِّي؟ قَالَ: بَلْ تُصَلِّي، وَلَا تَلْتَفِتُ إلَى مَا زَادَ عَلَى أَقْرَائِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ دَمَ حَيْضٍ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ أَوْ نَحْوَ هَذَا. قُلْت: أَفَتُصَلِّي إلَى أَنْ يُصِيبَهَا ثَلَاثَ مِرَارًا، ثُمَّ تَدَعُ الصَّلَاةَ بَعْدَ ثَلَاثٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَعْدَ ثَلَاثٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>