للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي، تَتَعَارَضَانِ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا تَشْهَدُ بِضِدِّ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى، فَيَبْقَى عَلَى الرِّقِّ. وَإِنْ قَالَ: إنْ مِتُّ فِي رَمَضَانَ، فَعَبْدِي سَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ مِتُّ فِي شَوَّالَ فَعَبْدِي غَانِمٌ حُرٌّ. ثُمَّ مَاتَ، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْتَهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ فِيهِ وَأَنْكَرَهُمَا الْوَرَثَةُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ.

وَإِنْ أَقَرُّوا لِأَحَدِهِمَا، عَتَقَ بِإِقْرَارِهِمْ. وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمُوجِبِ عِتْقِهِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا، تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ سَالِمٍ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ، فَإِنَّهَا أَثْبَتَتْ مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَى الْبَيِّنَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ مَوْتُهُ فِي رَمَضَانَ. وَالثَّانِي، يَتَعَارَضَانِ، وَيَبْقَى الْعَبْدَانِ عَلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُمَا سَقَطَا، فَصَارَا، كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا. وَالثَّالِثُ، يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَيَعْتِقُ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَإِنْ قَالَ: إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا، فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ مِتّ مِنْهُ، فَغَانِمٌ حُرٌّ، فَمَاتَ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبَ عِتْقِهِ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بَرَأَ أَوْ لَمْ يَبْرَأْ، فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهُ فَيُخْرَجُ بِالْقُرْعَةِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا، فَأَشْكَلَ عَلَيْنَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَدَّمَ قَوْلُ غَانِمٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبُرْءِ.

وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمُوجِبِ عِتْقِهِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَتَعَارَضَانِ، وَيَبْقَى الْعَبْدَانِ عَلَى الرِّقِّ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُكَذِّبُ الْأُخْرَى، وَتُثْبِتُ زِيَادَةً تَنْفِيَهَا الْأُخْرَى. وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ؛ لِأَنَّ لِلتَّعَارُضِ أَثَرَهُ فِي إسْقَاطِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَكُونَا أَصْلًا لَعَتَقَ أَحَدُهُمَا، فَكَذَلِكَ إذَا سَقَطَتَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَّقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِتْقَ أَحَدِهِمَا، فَيَلْزَمُ وُجُودُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا، فَسَالِمٌ حُرٌّ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَغَانِمٌ حُرٌّ. وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ، وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّائِرِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا قُدِّمَتْ إحْدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ، فِي رِوَايَةٍ. وَالثَّانِي، تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ سَالِمٍ؛ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِزِيَادَةٍ، وَهِيَ الْبُرْءُ. وَإِنْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ لِأَحَدِهِمْ، عَتَقَ بِإِقْرَارِهِمْ، وَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْآخَرِ مِمَّا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ عَدْلَانِ مِنْهُمْ بِذَلِكَ، مَعَ انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، فَيَعْتِقَ وَحْدَهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لِلْآخَرِ بَيِّنَةٌ.

[فَصْل إذَا كَانَ مَا شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ لَا يَتَعَارَضُ مَعَ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى]

(٨٥٢٨) فَصْلٌ: وَإِذَا ادَّعَى سَالِمٌ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَادَّعَى عَبْدُهُ الْآخَرُ غَانِمٌ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ مَالِهِ، فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَعْوَاهُ بَيِّنَةً فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ مَا شَهِدَتْ بِهِ كُلُّ بَيِّنَةٍ لَا يَنْفِي مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى، وَلَا تُكَذِّبُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، فَيَثْبُتُ إعْتَاقُهُ لَهُمَا، ثُمَّ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَتَانِ مُؤَرِّخَتَيْنِ بِتَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، عَتَقَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا. وَرَقَّ الثَّانِي، إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ، لِأَنَّ الْمَرِيضَ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>