للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّوْجَيْنِ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِالْعَيْبِ فِي الْآخَرِ كَالْمَرْأَةِ. وَأَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الْعُيُوبِ، فَلَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَهُوَ الْوَطْءُ، بِخِلَافِ الْعُيُوبِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا

فَإِنْ قِيلَ: فَالْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ. قُلْنَا: بَلْ يَمْنَعُهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ نَفْرَةً تَمْنَعُ قُرْبَانَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَمَسَّهُ، وَيُخَافُ مِنْهُ التَّعَدِّي إلَى نَفْسِهِ وَنَسْلِهِ، وَالْمَجْنُونُ يُخَافُ مِنْهُ الْجِنَايَةُ، فَصَارَ كَالْمَانِعِ الْحِسِّيِّ.

[فَصْلُ الْعُيُوبِ الْمُجَوِّزَةِ لِفَسْخِ النِّكَاح]

الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي عَدَدِ الْعُيُوبِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْفَسْخِ، وَهِيَ فِيمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ ثَمَانِيَةٌ: ثَلَاثَةٌ يَشْتَرِكُ فِيهَا الزَّوْجَانِ؛ وَهِيَ: الْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ. وَاثْنَانِ يَخْتَصَّانِ الرَّجُلَ؛ وَهُمَا الْجَبُّ، وَالْعُنَّةُ. وَثَلَاثَةٍ تَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ؛ وَهِيَ الْفَتْقُ، وَالْقَرْنُ، وَالْعَفَلُ

وَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ سَبْعَةٌ. جَعَلَ الْقَرْنَ وَالْعَفَلَ شَيْئًا وَاحِدًا، وَهُوَ الرَّتْقُ أَيْضًا، وَذَلِكَ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْأَدَبِ، وَحُكِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَذَكَرَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَرْنُ عَظْمٌ فِي الْفَرْجِ يَمْنَعُ الْوَطْءَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَكُونُ فِي الْفَرْجِ عَظْمٌ، إنَّمَا هُوَ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِيهِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَفْصٍ، أَنَّ الْعَفَلَ كَالرَّغْوَةِ فِي الْفَرْجِ، يَمْنَعُ لَذَّةَ الْوَطْءِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَيْبًا نَامِيًا

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الرَّتْقُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْجُ مَسْدُودًا. يَعْنِي أَنْ يَكُونَ مُلْتَصِقًا لَا يَدْخُلُ الذَّكَرُ فِيهِ. وَالْقَرْنُ وَالْعَفَلُ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ فَيَسُدّهُ، فَهُمَا فِي مَعْنَى الرَّتْقِ، إلَّا أَنَّهُمَا نَوْعٌ آخِرُ. وَأَمَّا الْفَتْقُ فَهُوَ انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ مَجْرَى الْبَوْلِ وَمَجْرَى الْمَنِيِّ. وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ.

وَذَكَرَهَا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ سَبْعَةً، أَسْقَطُوا مِنْهَا الْفَتْقَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا سِتَّةً، جَعَلَ الْقَرْنَ وَالْعَفَلَ شَيْئًا وَاحِدًا. وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْفَسْخُ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ الْمَقْصُودَ بِالنِّكَاحِ، فَإِنَّ الْجُذَامَ وَالْبَرَصَ يُثِيرَانِ نَفْرَةً فِي النَّفْس تَمْنَعُ قُرْبَانَهُ، وَيُخْشَى تَعَدِّيهِ إلَى النَّفْسِ وَالنَّسْلِ، فَيَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ، وَالْجُنُونُ يُثِيرُ نَفْرَةً وَيُخْشَى ضَرَرُهُ، وَالْجَبُّ وَالرَّتْقُ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْوَطْءُ، وَالْفَتْقُ يَمْنَعُ لَذَّةَ الْوَطْءِ وَفَائِدَتَهُ، وَكَذَلِكَ الْعَفَلُ، عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَهُ بِالرَّغْوَةِ

فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الْعَيْبِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بِجَسَدِهِ بَيَاضٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَهَقًا أَوْ مِرَارًا، وَاخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ بَرَصًا، أَوْ كَانَتْ بِهِ عَلَامَاتُ الْجُذَامِ، مِنْ ذَهَابِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ، فَاخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ جُذَامًا، فَإِنْ كَانَتْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالثِّقَةِ، يَشْهَدَانِ لَهُ بِمَا قَالَ، ثَبَتَ قَوْلُهُ، وَإِلَّا حَلَفَ الْمُنْكِرُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، أُرِيتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>