للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَسَاقِيَهَا» . وَأَشَارَ إلَى كُلِّ مُعَاوِنٍ عَلَيْهَا، وَمُسَاعِدٍ فِيهَا أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَالَ: قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ فِي تَحْرِيمِ النَّبِيذِ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ قَيِّمًا كَانَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي أَرْضٍ لَهُ، فَأَخْبَرَهُ عَنْ عِنَبٍ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ زَبِيبًا، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُبَاعَ إلَّا لِمَنْ يَعْصِرُهُ، فَأَمَرَ بِقَلْعِهِ، وَقَالَ: بِئْسَ الشَّيْخُ أَنَا إنْ بِعْت الْخَمْرَ وَلِأَنَّهُ يَعْقِدُ عَلَيْهَا لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُهَا لِلْمَعْصِيَةِ، فَأَشْبَهَ إجَارَةَ أَمَتِهِ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُهَا لِيَزْنِيَ بِهَا. وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِصُوَرٍ كَثِيرَةٍ، فَيُخَصُّ مِنْهَا مَحَلُّ النِّزَاعِ بِدَلِيلِنَا.

وَقَوْلُهُمْ: تَمَّ الْبَيْعُ بِشُرُوطِهِ وَأَرْكَانِهِ. قُلْنَا: لَكِنْ وُجِدَ الْمَانِعُ مِنْهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ، إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ قَصْدَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، إمَّا بِقَوْلِهِ، وَإِمَّا بِقَرَائِنَ مُخْتَصَّةٍ بِهِ، تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْأَمْرُ مُحْتَمِلًا، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مَنْ لَا يَعْلَمُ، أَوْ مَنْ يَعْمَلُ الْخَلَّ وَالْخَمْرَ مَعًا، وَلَمْ يَلْفِظْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْخَمْرِ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ. وَإِذَا ثَبَتَ التَّحْرِيمُ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي ذَلِكَ اعْتِقَادُهُ بِالْعَقْدِ دُونَهُ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ، كَمَا لَوْ دَلَّسَ الْعَيْبَ.

وَلَنَا، أَنَّهُ عَقَدَ عَلَى عَيْنٍ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ بِهَا، فَلَمْ يَصِحَّ، كَإِجَارَةِ الْأَمَةِ لِلزِّنَى وَالْغِنَاءِ. وَأَمَّا التَّدْلِيسُ، فَهُوَ الْمُحَرَّمُ، دُونَ الْعَقْدِ. وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ هَاهُنَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَفْسَدَ الْعَقْدَ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَيُفَارِقُ التَّدْلِيسَ، فَإِنَّهُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ.

[فَصْلٌ بَيْع مَا يَقْصِد بِهِ الْحَرَام]

(٣١١٤) فَصْلٌ: وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْحَرَامُ، كَبَيْعِ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ، أَوْ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، أَوْ فِي الْفِتْنَةِ، وَبَيْعِ الْأَمَةِ لِلْغِنَاءِ، أَوْ إجَارَتِهَا كَذَلِكَ، أَوْ إجَارَةِ دَارِهِ لِبَيْعِ الْخَمْرِ فِيهَا، أَوْ لِتُتَّخَذَ كَنِيسَةً، أَوْ بَيْتَ نَارٍ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ. فَهَذَا حَرَامٌ، وَالْعَقْدُ بَاطِلٌ؛ لِمَا قَدَّمْنَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَسَائِلَ، نَبَّهَ بِهَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ فِي الْقَصَّابِ وَالْخَبَّازِ: إذَا عَلِمَ أَنَّ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ، يَدْعُو عَلَيْهِ مَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ، لَا يَبِيعُهُ، وَمَنْ يَخْتَرِطُ الْأَقْدَاحَ لَا يَبِيعُهَا مِمَّنْ يَشْرَبُ فِيهَا. وَنَهَى عَنْ بَيْعَ الدِّيبَاجِ لِلرِّجَالِ، وَلَا بَأْسَ بَيْعِهِ لِلنِّسَاءِ.

وَرُوِيَ عَنْهُ؛ لَا يَبِيعُ الْجَوْزَ مِنْ الصِّبْيَانِ لِلْقِمَارِ. وَعَلَى قِيَاسِهِ الْبَيْضُ، فَيَكُونُ بَيْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ بَاطِلًا.

[رَجُل مَاتَ وَخَلَف جَارِيَة مُغَنِّيَة وَوَلَدًا يَتِيمًا وَقَدْ احْتَاجَ إلَى بَيْعِهَا]

(٣١١٥) فَصْلٌ: قِيلَ لِأَحْمَدَ: رَجُلٌ مَاتَ، وَخَلَّفَ جَارِيَةً مُغَنِّيَةً، وَوَلَدًا يَتِيمًا، وَقَدْ احْتَاجَ إلَى بَيْعِهَا قَالَ: يَبِيعُهَا عَلَى أَنَّهَا سَاذِجَةٌ. فَقِيلَ لَهُ: فَإِنَّهَا تُسَاوِي ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بِيعَتْ سَاذَجَةٌ تُسَاوِي عِشْرِينَ دِينَارًا. قَالَ: لَا تُبَاعُ إلَّا عَلَى أَنَّهَا سَاذِجَةٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ، وَلَا أَثْمَانُهُنَّ، وَلَا كَسْبُهُنَّ.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ:

<<  <  ج: ص:  >  >>