الثَّالِثُ، أَنْ يُوصِيَ بِالْوَاجِبِ، وَيُطْلِقَ، فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَيُبْدَأُ بِإِخْرَاجِهِ قَبْلَ التَّبَرُّعَاتِ وَالْمِيرَاثِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَصِيَّةُ تَبَرُّعٍ، فَلِصَاحِبِهَا ثُلُثُ الْبَاقِي. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الثُّلُثِ كَالْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ. وَلَنَا، أَنَّ الْحَجَّ كَانَ وَاجِبًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَيْسَ فِي وَصِيَّتِهِ مَا يَقْتَضِي تَغْيِيرَهُ، فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ. وَقَوْلُهُمْ: لَا تُمْلَكُ الْوَصِيَّةُ إلَّا بِالثُّلُثِ. قُلْنَا: فِي التَّبَرُّعِ، فَأَمَّا فِي الْوَاجِبَاتِ فَلَا تَنْحَصِرُ فِي الثُّلُثِ، وَلَا تَتَقَيَّدُ بِهِ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ، أَنْ يُوصِيَ بِالْوَاجِبِ وَيَقْرِنَ الْوَصِيَّةَ بِالتَّبَرُّعِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: حُجُّوا عَنِّي، وَأَدُّوا دَيْنِي، وَتَصَدَّقُوا عَنِّي. فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَصَحُّهُمَا، أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِرَانَ فِي اللَّفْظِ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاقْتِرَانِ فِي الْحُكْمِ، وَلَا فِي كَيْفِيَّتِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١] . وَالْأَكْلُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ، وَلِأَنَّهُ هَاهُنَا قَدْ عَطَفَ غَيْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَكَمَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِي الْوُجُوبِ لَا يَلْزَمُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي مَحَلِّ الْإِخْرَاجِ. وَالثَّانِي، أَنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ مَا مَخْرَجُهُ مِنْ الثُّلُثِ.
[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى أَنْ يُحَجّ عَنْهُ بِقَدْرِ مِنْ الْمَال حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ وَكَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ قَدْرِ مَا يُحَجُّ بِهِ]
(٤٧٦١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ قَالَ: حِجَّةٌ بِخَمْسِمِائَةٍ. فَمَا فَضَلَ فَهُوَ لِمَنْ يَحُجُّ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ حِجَّةً وَاحِدَةً، وَكَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ قَدْرِ مَا يُحَجُّ بِهِ، فَهُوَ لِمَنْ يَحُجُّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إرْفَاقَهُ بِذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ، بِأَنْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي حِجَّةً وَاحِدَةً بِخَمْسِمِائَةٍ، وَمَا فَضَلَ مِنْهَا فَهُوَ لِمَنْ يَحُجُّ. ثُمَّ إنْ عَيَّنَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، فَقَالَ: يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ بِخَمْسِمِائَةٍ. صُرِفَ ذَلِكَ إلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا، فَلِلْوَصِيِّ صَرْفُهَا إلَى مَنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ الِاجْتِهَادَ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ صَرْفَهَا إلَى وَارِثٍ، إذَا كَانَ فِيهَا فَضْلٌ إلَّا بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَضْلٌ، جَازَ؛ لِأَنَّهَا لَا مُحَابَاةَ فِيهَا، ثُمَّ يُنْظَرُ؛ فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ الْمُوصَى بِهِ تَطَوُّعًا، فَجَمِيعُ الْقَدْرِ الْمُوصَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَالزَّائِدُ عَنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. وَإِنْ لَمْ يَفِ الْمُوصَى بِهِ بِالْحَجِّ الْوَاجِبِ، أُتِمَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَإِنَّهُ يُحَجُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، عَلَى مَا مَضَى.
[فَصْلٌ عَيَّنَ رَجُلًا فِي وَصِيَّته أَنْ يُحَجّ فَأَبَى أَنْ يَحُجّ]
(٤٧٦٢) فَصْلٌ: وَإِنْ عَيَّنَ رَجُلًا أَنْ يَحُجَّ، فَأَبَى أَنْ يَحُجَّ، بَطَلَ التَّعْيِينُ، وَيَحُجُّ عَنْهُ بِأَقَلِّ مَا يُمْكِنُ إنْسَانٌ ثِقَةٌ سِوَاهُ، وَيُصْرَفُ الْبَاقِي إلَى الْوَرَثَةِ. وَلَوْ قَالَ الْمُعَيَّنُ: اصْرِفُوا الْحِجَّةَ إلَى مَنْ يَحُجُّ، وَادْفَعُوا الْفَضْلَ إلَيَّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute