للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّ الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَتَى السَّاعَةُ؟ أَوْمَأَ النَّاسُ إلَيْهِ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسُّكُوتِ، وَلِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي يُبْطِلُهَا الْكَلَامُ، فَفِي الْخُطْبَةِ أَوْلَى.

[فَصْلٌ الْكَلَامُ الْوَاجِبُ كَتَحْذِيرِ الضَّرِيرِ مِنْ الْبِئْرِ]

(١٣٢٨) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْكَلَامُ الْوَاجِبُ، كَتَحْذِيرِ الضَّرِيرِ مِنْ الْبِئْرِ، أَوْ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ نَارًا، أَوْ حَيَّةً أَوْ حَرِيقًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَلَهُ فِعْلُهُ، لِأَنَّ هَذَا يَجُوزُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ مَعَ إفْسَادِهَا، فَهَاهُنَا أَوْلَى فَأَمَّا تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَرَدُّ السَّلَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ: يَرُدُّ الرَّجُلُ السَّلَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. وَيُشَمِّتُ الْعَاطِسَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِد قَالَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا وَاجِبٌ، فَوَجَبَ، الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الْخُطْبَةِ، كَتَحْذِيرِ الضَّرِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: إنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ رَدَّ السَّلَامَ وَشَمَّتَ الْعَاطِسَ، وَإِنْ كَانَ يَسْمَعُ لَمْ يَفْعَلْ.

قَالَ أَبُو طَالِبٍ، قَالَ أَحْمَدُ: إذَا سَمِعْتَ الْخُطْبَةَ فَاسْتَمِعْ وَأَنْصِتْ، وَلَا تَقْرَأْ، وَلَا تُشَمِّتْ، وَإِذَا لَمْ تَسْمَعْ الْخُطْبَةَ فَاقْرَأْ وَشَمِّتْ وَرُدَّ السَّلَامَ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُد، قُلْتُ لِأَحْمَدَ: يَرُدُّ السَّلَامَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَيُشَمِّتُ الْعَاطِسَ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ لَيْسَ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَيَرُدُّ، وَإِذَا كَانَ يَسْمَعُ فَلَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤]

وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: الرَّجُلُ يَسْمَعُ نَغْمَةَ الْإِمَامِ بِالْخُطْبَةِ، وَلَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، يَرُدُّ السَّلَامَ؟ قَالَ: لَا، إذَا سَمِعَ شَيْئًا وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْصَاتَ وَاجِبٌ، فَلَمْ يَجُزْ الْكَلَامُ الْمَانِعُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، كَالْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَرُدُّ وَلَا يُشَمِّتُ.

وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ مُخْتَصًّا بِمَنْ يَسْمَعُ دُونَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَيَكُونُ مِثْلَ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي كُلِّ حَاضِرٍ يَسْمَعُ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ شَامِلٌ لَهُمْ، فَيَكُونُ الْمَنْعُ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ثَابِتًا فِي حَقِّهِمْ، كَالسَّامِعِينَ.

[فَصْلٌ الْكَلَامُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْخُطْبَةِ وَبَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا]

(١٣٢٩) فَصْلٌ: لَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْخُطْبَةِ، وَبَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَبَكْرٌ الْمُزَنِيّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَيَعْقُوبُ، وَمُحَمَّدٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكَرِهَهُ، الْحَكَمُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَرُمَ الْكَلَامُ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَكْرَهَانِ الْكَلَامَ وَالصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>