[مَسْأَلَةٌ مَا هِيَ الْحُكُومَة فِي الْجِنَايَة]
(٦٩٩٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْحُكُومَةُ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ عَبْدٌ لَا جِنَايَةَ بِهِ، ثُمَّ يُقَوَّمَ وَهِيَ بِهِ قَدْ بَرَأَتْ، فَمَا نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ، فَلَهُ مِثْلُهُ مِنْ الدِّيَةِ، كَأَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ وَهُوَ عَبْدٌ صَحِيحٌ عَشَرَةً، وَقِيمَتُهُ وَهُوَ عَبْدٌ بِهِ الْجِنَايَةُ تِسْعَةً، فَيَكُونَ فِيهِ عُشْرُ دِيَتِهِ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي تَفْسِيرِ الْحُكُومَةِ، قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ كُلِّهِمْ، لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلَافًا. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: حُكُومَةٌ، أَنْ يُقَالَ إذَا أُصِيبَ الْإِنْسَانُ بِجُرْحٍ لَا عَقْلَ لَهُ مَعْلُومٌ: كَمْ قِيمَةُ هَذَا الْمَجْرُوحِ؟ لَوْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يُجْرَحْ هَذَا الْجُرْحَ، فَإِذَا قِيلَ: مِائَةُ دِينَارٍ. قِيلَ: وَكَمْ قِيمَتُهُ وَقَدْ أَصَابَهُ هَذَا الْجُرْحُ، وَانْتَهَى بُرْؤُهُ؟ قِيلَ: خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ. فَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَى الْجَانِي نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ. وَإِنْ قَالُوا: تِسْعُونَ. فَعُشْرُ الدِّيَةِ. وَإِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ، فَعَلَى هَذَا الْمِثَالِ. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ جُمْلَتَهُ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ، فَأَجْزَاؤُهُ مَضْمُونَةٌ مِنْهَا، كَمَا أَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، كَانَ أَرْشُ عَيْبِهِ مُقَدَّرًا مِنْ الثَّمَنِ، فَيُقَالُ: كَمْ قِيمَتُهُ لَا عِيبَ فِيهِ؟ فَقَالُوا: عَشَرَةٌ. فَيُقَالُ: كَمْ قِيمَتُهُ وَفِيهِ الْعَيْبُ؟ فَإِذَا قِيلَ: تِسْعَةٌ، عُلِمَ أَنَّهُ نَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهِ، فَيَجِبُ أَنَّ نَرُدَّ مِنْ الثَّمَنِ عُشْرَهُ، أَيَّ قَدْرٍ كَانَ، وَنُقَدِّرَهُ عَبْدًا لِيُمْكِنَ تَقْوِيمُهُ، وَنَجْعَلَ الْعَبْدَ أَصْلًا لِلْحُرِّ فِيمَا لَا مُوَقَّتَ فِيهِ، وَالْحُرَّ أَصْلًا لِلْعَبْدِ فِيمَا فِيهِ تَوْقِيتٌ.
[مَسْأَلَة مَا زَادَ فِي الْحُكُومَة أَوْ نَقَصَ]
(٦٩٩٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَعَلَى هَذَا مَا زَادَ مِنْ الْحُكُومَةِ أَوْ نَقَصَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ فِي رَأْسٍ أَوْ وَجْهٍ، فَيَكُونَ أَسْهَلَ مِمَّا وُقِّتَ فِيهِ، فَلَا يُجَاوَزُ بِهِ أَرْشُ الْمُوَقَّتِ) يَعْنِي لَوْ نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ أَكْثَرَ مِنْ عُشْرِ قِيمَتِهِ، لَوَجَبَ أَكْثَرُ مِنْ عُشْرِ دِيَتِهِ، وَلَوْ نَقَصَتْهُ أَقَلَّ مِنْ الْعُشْرِ، مِثْلُ أَنْ نَقَصَتْهُ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ؛ لَوَجَبَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ، إلَّا إذَا شَجَّهُ دُونَ الْمُوضِحَةِ، فَبَلَغَ أَرْشُ الْجِرَاحِ بِالْحُكُومَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ، لَمْ يَجِبْ الزَّائِدُ، فَلَوْ جَرَحَهُ فِي وَجْهِهِ سِمْحَاقًا، فَنَقَصَتْهُ عُشْرَ قِيمَتِهِ، فَمُقْتَضَى الْحُكُومَةِ وُجُوبُ عَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَدِيَةُ الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ، فَهَاهُنَا يُعْلَمُ غَلَطُ الْمُقَوِّمِ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ لَوْ كَانَتْ مُوضِحَةً، لَمْ تَزِدْ عَلَى خَمْسٍ، مَعَ أَنَّهَا سِمْحَاقٌ وَزِيَادَةٌ عَلَيْهَا؛ فَلَأَنْ لَا يَجِبَ فِي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ عَلَى خَمْسٍ أَوْلَى. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ يَجِبُ مَا تُخْرِجُهُ الْحُكُومَةُ، كَائِنًا مَا كَانَ؛ لِأَنَّهَا جِرَاحَةٌ لَا مُقَدَّرَ فِيهَا، فَوَجَبَ فِيهَا مَا نَقَصَ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ. وَلَنَا، أَنَّهَا بَعْضُ الْمُوضِحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْضَحَهُ، لَقَطَعَ مَا قَطَعَتْهُ هَذِهِ الْجِرَاحَةُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ فِي بَعْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute