يَصِيرَا أَخَوَيْنِ، وَلَمْ تَنْتَشِرْ الْحُرْمَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، فِي قَوْل عَامَّتِهِمْ. وَقَالَ الْكَرَابِيسِيُّ: يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَبَنُ آدَمِيٍّ، أَشْبَهَ لَبَنَ الْآدَمِيَّةِ. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، أَنَّهُمَا إذَا ارْتَضَعَا مِنْ لَبَنِ بَهِيمَةٍ، صَارَا أَخَوَيْنِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمُ الْأُمُومَةِ، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ الْأُخُوَّةِ، لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ فَرْعٌ عَلَى الْأُمُومَةِ، وَكَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمُ الْأُبُوَّةِ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّ هَذَا اللَّبَنَ لَمْ يُخْلَقْ لِغِذَاءِ الْمَوْلُودِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ، كَسَائِرِ الطَّعَامِ. فَإِنْ ثَابَ لِخُنْثَى مُشْكِلٍ لَبَنٌ، لَمْ يَثْبُتْ بِهِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ امْرَأَةً، فَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ مَعَ الشَّكِّ.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ:: يَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَنْكَشِفَ أَمْرُ الْخُنْثَى. فَعَلَى قَوْلِهِ يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ، إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ كَوْنَهُ مُحَرِّمًا. (٦٤٢٤) فَصْلٌ: وَإِنْ ثَابَ لَامْرَأَةٍ لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ، فَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلًا، نَشَرَ الْحُرْمَةَ، فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَكُلِّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] . وَلِأَنَّهُ لَبَنُ امْرَأَةٍ فَتَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ، كَمَا لَوْ ثَابَ بِوَطْءٍ، وَلِأَنَّ أَلْبَانَ النِّسَاءِ خُلِقَتْ لِغِذَاءِ الْأَطْفَالِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا نَادِرًا، فَجِنْسُهُ مُعْتَادٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ لِتَغْذِيَةِ الْأَطْفَالِ، فَأَشْبَهَ لَبَنَ الرِّجَالِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
[فَصْلٌ لَرَجُلٍ خَمْسُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ لَهُ مِنْهُنَّ لَبَنٌ فَارْتَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَةً]
(٦٤٢٥) فَصْلٌ: إذَا كَانَ لَرَجُلٍ خَمْسُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ، لَهُ مِنْهُنَّ لَبَنٌ، فَارْتَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَةً، لَمْ يَصِرْنَ أُمَّهَاتٍ لَهُ، وَصَارَ الْمَوْلَى أَبًا لَهُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ؛ لِأَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، لَا تَثْبُتُ الْأُبُوَّةُ؛ لِأَنَّهُ رَضَاعٌ لَمْ يُثْبِتْ الْأُمُومَةَ، فَلَمْ يُثْبِتْ الْأُبُوَّةَ، كَالِارْتِضَاعِ بِلَبَنِ الرَّجُلِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ فَإِنَّ الْأُبُوَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِكَوْنِهِ رَضَعَ مِنْ لَبَنِهِ، لَا لِكَوْنِ الْمُرْضِعَةِ أُمًّا لَهُ.
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ. وَإِذَا قُلْنَا بِثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ، حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَاتُ؛ لِأَنَّهُ رَبِيبُهُنَّ، وَهُنَّ مَوْطُوءَاتُ أَبِيهِ. وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسُ بَنَاتٍ، فَأَرْضَعْنَ طِفْلًا، كُلُّ وَاحِدَةٍ رَضْعَةً، لَمْ يَصِرْنَ أُمَّهَاتٍ لَهُ. وَهَلْ يَصِيرُ الرَّجُلُ جَدًّا لَهُ، وَأَوْلَادُهُ أَخْوَالًا لَهُ وَخَالَاتٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: يَصِيرُ جَدًّا، وَأَخُوهُنَّ خَالًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَمَّلَ لِلْمُرْتَضِعِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مِنْ لَبَنِ بَنَاتِهِ أَوْ أَخَوَاتِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مِنْ وَاحِدَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute