قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: بَعْضُهُمْ يَقُولُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ. وَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ مَتْرُوكٌ، فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَسْتَفْتِحُ بِهِ كُلِّهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَفْتِحُونَ بِأَوَّلِهِ.
(٦٦٤) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالِافْتِتَاحِ. وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْهَرْ بِهِ، وَإِنَّمَا جَهَرَ بِهِ عُمَرُ، لِيُعَلِّمَ النَّاسَ. وَإِذَا نَسِيَ الِاسْتِفْتَاحَ، أَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا حَتَّى شَرَعَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ، لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحِلُّهَا. وَكَذَلِكَ إنْ نَسِيَ التَّعَوُّذَ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ لِذَلِكَ.
[مَسْأَلَة الِاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ]
(٦٦٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (ثُمَّ يَسْتَعِيذُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ سُنَّةٌ. وَبِذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَسْتَعِيذُ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨] .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اسْتَفْتَحَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» . وَحَدِيثُ أَنَسٍ قَدْ مَضَى جَوَابُهُ.
وَصِفَةُ الِاسْتِعَاذَةِ: أَنْ يَقُولَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨] وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَقُولُ؛ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: ٣٦] وَهَذَا مُتَضَمِّنٌ لَزِيَادَةٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْهُ: أَنَّهُ يَزِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. وَهَذَا كُلُّهُ وَاسِعٌ، وَكَيْفَمَا اسْتَعَاذَ فَهُوَ حَسَنٌ، وَيُسِرُّ الِاسْتِعَاذَةَ، وَلَا يَجْهَرُ بِهَا، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
[مَسْأَلَة قِرَاءَةَ الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة]
(٦٦٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (ثُمَّ يَقْرَأُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ، وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا، لَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ. نَقَلَهُ عَنْهُ الْجَمَاعَةُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ، وَتُجْزِئُ قِرَاءَةُ آيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ: «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute