للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ: إذَا غُصِبَ مَالًا. أَيْ إذَا غُصِبَ الرَّجُلُ مَالًا، فَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ الْمَرْفُوعُ مُسْتَتِرٌ فِي الْفِعْلِ، وَالْمَالُ هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي، فَكَذَلِكَ نَصِيبُهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَإِذَا غُصِبَ مَالَهُ. وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَالْحُكْمُ فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ وَالْمَجْحُودِ وَالضَّالِّ وَاحِدٌ، وَفِي جَمِيعِهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا زَكَاةَ فِيهِ.

نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ، وَالْمَيْمُونِيُّ. وَمَتَى عَادَ صَارَ كَالْمُسْتَفَادِ، يَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَدِيمِ قَوْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ، وَصَارَ مَمْنُوعًا مِنْهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاتُهُ، كَمَالِ الْمُكَاتَبِ. وَالثَّانِيَةُ، عَلَيْهِ زَكَاتُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهِ تَامٌّ، فَلَزِمَتْهُ زَكَاتُهُ، كَمَا لَوْ نَسِيَ عِنْدَ مَنْ أَوْدَعَهُ، أَوْ كَمَا لَوْ أُسِرَ، أَوْ حُبِسَ، وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، وَعَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَبَضَهُ زَكَّاهُ لِحَوْلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ فِي يَدِهِ، ثُمَّ حَصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَسْقُطَ الزَّكَاةُ عَنْ حَوْلٍ وَاحِدٍ. وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ إذَا وُجِدَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ، يَمْنَعُ، كَنَقْصِ النِّصَابِ.

[فَصْلُ كَانَ الْمَغْصُوبُ سَائِمَةً مَعْلُوفَةً عِنْدَ صَاحِبِهَا وَغَاصِبِهَا]

(١٩٤٣) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ سَائِمَةً، مَعْلُوفَةً عِنْدَ صَاحِبِهَا وَغَاصِبِهَا، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِفِقْدَانِ الشَّرْطِ. وَإِنْ كَانَتْ سَائِمَةً عِنْدَهُمَا فَفِيهَا الزَّكَاةُ، عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ بِوُجُوبِهَا فِي الْمَغْصُوبِ. وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُوفَةً عِنْدَ صَاحِبِهَا، سَائِمَةً عِنْدَ غَاصِبِهَا، فَفِيهَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَرْضَ بِإِسَامَتِهَا، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ كَمَا لَوْ رَعَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسِيمَهَا.

وَالثَّانِي، عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّ السَّوْمَ يُوجِبُ الزَّكَاةَ مِنْ الْمَالِكِ فَأَوْجَبَهَا مِنْ الْغَاصِبِ كَمَا لَوْ كَانَتْ سَائِمَةً عِنْدَهُمَا، وَكَمَا لَوْ غَصَبَ بَذْرًا فَزَرَعَهُ وَجَبَ الْعُشْرُ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ سَائِمَةً عِنْدَ مَالِكِهَا مَعْلُوفَةً عِنْدَ غَاصِبِهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِفِقْدَانِ الشَّرْطِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهَا لِأَنَّ الْعَلَفَ مُحَرَّمٌ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الزَّكَاةِ كَمَا لَوْ غَصَبَ أَثْمَانًا فَصَاغَهَا حُلِيًّا لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ عَنْهَا بِصِيَاغَتِهِ.

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعَلَفَ إنَّمَا أَسْقَطَ الزَّكَاةَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ وَهَا هُنَا لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِ وَلَنَا: أَنَّ السَّوْمَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ، كَنَقْصِ النِّصَابِ وَالْمِلْكِ وَقَوْلُهُ: إنَّ الْعَلَفَ مُحَرَّمٌ. غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ الْغَصْبُ وَإِنَّمَا الْعَلَفُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي مَالِهِ بِإِطْعَامِهَا إيَّاهُ، وَلَا تَحْرِيمَ فِيهِ، وَلِهَذَا لَوْ عَلَفَهَا عِنْدَ مَالِكِهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ مِنْ خِفَّةِ الْمُؤْنَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الْخِفَّةَ لَا تُعْتَبَرُ بِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ بِمُظِنِّهَا، وَهِيَ السَّوْمُ ثُمَّ يَبْطُلُ مَا ذَكَرَاهُ بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>