وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَرَوَى سَعِيدٌ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ثَوْبَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، شَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ، وَذَلِكَ تَمَامُ سَنَةٍ» . يَعْنِي أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَالشَّهْرُ بِعَشَرَةٍ وَالسِّتَّةُ بِسِتِّينَ يَوْمًا. فَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، وَهُوَ سَنَةٌ كَامِلَةٌ، وَلَا يَجْرِي هَذَا مَجْرَى التَّقْدِيمِ لِرَمَضَانَ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْفِطْرِ فَاصِلٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَلَا دَلِيلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى فَضِيلَتِهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَ صِيَامَهَا بِصِيَامِ الدَّهْرِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ. قُلْنَا: إنَّمَا كُرِهَ صَوْمُ الدَّهْرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّعْفِ وَالتَّشْبِيهِ بِالتَّبَتُّلِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ ذَلِكَ فَضْلًا عَظِيمًا، لِاسْتِغْرَاقِهِ الزَّمَانَ بِالْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ التَّشْبِيهُ بِهِ فِي حُصُولِ الْعِبَادَةِ بِهِ، عَلَى وَجْه عَرِيَ عَنْ الْمَشَقَّةِ، كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، كَانَ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ» . ذَكَرَ ذَلِكَ حَثًّا عَلَى صِيَامِهَا، وَبَيَانِ فَضْلِهَا، وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِهَا.
وَنَهَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ. وَقَالَ: «مَنْ قَرَأَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» . أَرَادَ التَّشْبِيهَ بِثُلُثِ الْقُرْآنِ فِي الْفَضْلِ، لَا فِي كَرَاهَة الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مُتَتَابِعَةً أَوْ مُفَرَّقَةً، فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ فِي آخِرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَلِأَنَّ فَضِيلَتَهَا لِكَوْنِهَا تَصِيرُ مَعَ الشَّهْرِ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا، وَهُوَ السَّنَةُ كُلُّهَا، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ صَارَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ كُلِّهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ مَعَ التَّفْرِيقِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةُ صِيَامُ عَاشُورَاء كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَيَوْمِ عَرَفَة كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ]
(٢١٣٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَصِيَامُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ صِيَامَ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «صِيَامُ عَرَفَةَ: إنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» وَقَالَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ: «إنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ. وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute