وَالثَّانِي يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا تَمَّ بِشِرَاءِ الْمَرْأَةِ، فَأَشْبَهَ الْفَسْخَ بِالْعَيْبِ فِي أَحَدِهِمَا، وَفَسْخَهَا لِإِعْسَارِهِ، وَشِرَاءَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ.
[ابْتَاعَتْ الْحُرَّةِ زَوْجِهَا بِصَدَاقِهَا]
(٥٢٣٩) فَصْلٌ: فَإِنْ ابْتَاعَتْهُ بِصَدَاقِهَا، صَحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ إنْ قُلْنَا: يَسْقُطُ نِصْفُهُ. أَوْ بِجَمِيعِهِ، إنْ قُلْنَا: يَسْقُطُ جَمِيعُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ ثُبُوتَهُ يَقْتَضِي نَفْيَهُ، فَإِنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ؛ تَقْتَضِي فَسْخَ النِّكَاحِ وَسُقُوطَ الْمَهْرِ، وَسُقُوطُ الْمَهْرِ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُهُ وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَلَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لِغَيْرِ هَذَا الْعَبْدِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لَهُ، كَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ، وَمَا سَقَطَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهَا بِهِ.
[إذَا زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ فَالنِّكَاحُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا]
(٥٢٤٠) قَالَ: فَإِذَا زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ فَالنِّكَاحُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ وَلِيَّانِ فَأَذِنَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي تَزْوِيجِهَا، جَازَ، سَوَاءٌ أَذِنَتْ فِي رَجُلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُطْلَقًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَذِنْت لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلِيَائِي فِي تَزْوِيجِي مَنْ أَرَادَ. فَإِذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيَّانِ لِرَجُلَيْنِ، وَعُلِمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، فَالنِّكَاحُ لَهُ، دَخَلَ بِهَا الثَّانِي أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَمَالِكٌ، مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي صَارَ أَوْلَى.
لِقَوْلِ عُمَرَ إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ، مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي.
وَلِأَنَّ الثَّانِيَ اتَّصَلَ بِعَقْدِهِ الْقَبْضُ، فَكَانَ أَحَقَّ. وَلَنَا، مَا رَوَى سَمُرَةُ، وَعُقْبَةُ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ، فَهِيَ لِلْأَوَّلِ.» أَخْرَجَ حَدِيثَ سَمُرَةَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْهُ وَعَنْ عُقْبَةَ وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَشُرَيْحٍ
وَلِأَنَّ الثَّانِيَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِصْمَةِ زَوْجٍ، فَكَانَ بَاطِلًا، كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ لَهَا زَوْجًا؛ وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ بَاطِلٌ لَوْ عَرِيَ عَنْ الدُّخُولِ، فَكَانَ بَاطِلًا وَإِنْ دَخَلَ، كَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ، وَكَمَا لَوْ عَلِمَ. فَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يُصَحِّحْهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ خَالَفَهُ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَاءَ عَلَى خِلَافِ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْقَبْضِ لَا مَعْنَى لَهُ، فَإِنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ بِغَيْرِ قَبْضٍ، عَلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَبْطُلُ بِسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute