وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَبِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَالِبِ الْكِسْوَةِ لِأَمْثَالِ الْعَبْدِ، فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُلْبِسَهُ مِنْ لِبَاسِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ عَبِيدِهِ الذُّكُورِ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ، وَبَيْنَ إمَائِهِ إنْ كُنَّ لِلْخِدْمَةِ أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِنَّ مَنْ هُوَ لِلْخِدْمَةِ، وَفِيهِنَّ مَنْ هُوَ لِلِاسْتِمْتَاعِ، فَلَا بَأْسَ بِزِيَادَةِ مِنْ يَزِيدُهَا لِلِاسْتِمْتَاعِ فِي الْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ الْعُرْفِ، وَلِأَنَّ غَرَضَهُ تَحْمِيلُ مَنْ يَزِيدُهَا لِلِاسْتِمْتَاعِ، بِخِلَافِ الْخَادِمَةِ.
[فَصْلٌ تَوَلَّى أَحَدُهُمْ طَعَامَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُجْلِسَهُ مَعَهُ فَيَأْكُلَ الْخَادِمُ]
(٦٥٦٧) فَصْلٌ: إذَا تَوَلَّى أَحَدُهُمْ طَعَامَهُ، اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُجْلِسَهُ مَعَهُ، فَيَأْكُلَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْهُ، وَلَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَفَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ، حَرَّهُ وَدُخَانَهُ، فَلْيَدْعُهُ، وَلْيُجْلِسْهُ فَإِنْ أَبَى، فَلْيُرَوِّغْ لَهُ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمَعْنَى تَرْوِيغِ اللُّقْمَةِ، غَمْسُهَا فِي الْمَرَقِ وَالدَّسَمِ، وَتَرْوِيَتُهَا بِذَلِكَ، وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يَشْتَهِيه لِحُضُورِهِ فِيهِ، وَتَوَلِّيه إيَّاهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: ٨] الْآيَةَ، وَلِأَنَّ نَفْسَ الْحَاضِرِ تَتُوقُ مَا لَا تَتُوقُ نَفْسُ الْغَائِبِ.
[فَصْلٌ التَّرَفُّق فِي مُعَامَلَةِ الْخَادِمِ]
(٦٥٦٨) فَصْلٌ: وَلَا يُكَلِّفَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ، وَهُوَ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَيَقْرُبُ مِنْ الْعَجْزِ عَنْهُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهِ وَيُؤْذِيه، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ.
[فَصْلٌ لَا يُجْبَرُ الْمَمْلُوكُ عَلَى الْمُخَارَجَةِ]
(٦٥٦٩) فَصْلٌ: وَلَا يُجْبَرُ الْمَمْلُوكُ عَلَى الْمُخَارَجَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِ خَرَاجًا مَعْلُومًا يُؤَدِّيه، وَمَا فَضَلَ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدٌ بَيْنَهُمَا، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، كَالْكِتَابَةِ. وَإِنْ طَلَبَ الْعَبْدُ ذَلِكَ، وَأَبَاهُ السَّيِّدُ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، جَازَ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «أَبَا ظَبْيَةَ حَجَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُ أَجْرَهُ، وَأَمَرَ مَوَالِيَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ» . وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَضْرِبُونَ عَلَى رَقِيقِهِمْ خَرَاجًا، فَرُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ لَهُ أَلْفُ مَمْلُوكٍ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمٌ. وَجَاءَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَسَأَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute