تَقْدِيرُ مُدَّتِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُعْقَدُ لِلْأَبَدِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ، فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى مَنَافِعِهِ فِي حَالٍ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي نَفْسِهِ، فَإِذَا مَلَكَ، ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، كَالْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ زَوْجٍ
وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ، عُقِدَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ، فَإِذَا مَلَكَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ، كَالْأَبِ إذَا زَوَّجَ وَلَدَهُ. وَمَا قَاسُوا عَلَيْهِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ، لِأَجْلِ الْعَيْبِ، لَا لِمَا ذَكَرَهُ، وَلِهَذَا لَوْ عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ، لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ. وَإِنْ مَاتَ الْوَلِيُّ الْمُؤَجِّرُ لِلصَّبِيِّ أَوْ مَالِهِ، أَوْ عُزِلَ، وَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى غَيْرِهِ، لَمْ يَبْطُلْ عَقْدُهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ، فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، فَلَمْ يَبْطُلْ تَصَرُّفُهُ بِمَوْتِهِ أَوْ عَزْلِهِ، كَمَا لَوْ مَاتَ نَاظِرُ الْوَقْفِ أَوْ عُزِلَ، أَوْ مَاتَ الْحَاكِمُ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فِيمَا لَهُ النَّظَرُ فِيهِ. وَيُفَارِقُ مَا لَوْ أَجَرَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ مُدَّةً، ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَائِهَا
لِأَنَّهُ أَجَرَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فِي مُدَّةٍ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِيهَا، وَهَا هُنَا إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَلِيِّ الثَّانِي الْوِلَايَةُ فِي التَّصَرُّفِ فِيمَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ الْأُوَلُ، وَهَذَا الْعَقْدُ قَدْ تَصَرَّفَ فِيهِ الْأُوَلُ، فَلَمْ تَثْبُتْ لِلثَّانِي وِلَايَةٌ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ.
[فَصْل أَجَرَ عَبْدَهُ مُدَّةً ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي أَثْنَائِهَا]
(٤٢٠٤) فَصْلٌ: وَإِنْ أَجَرَ عَبْدَهُ مُدَّةً، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي أَثْنَائِهَا، صَحَّ الْعِتْقُ، وَلَمْ يَبْطُلْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى مَوْلَاهُ بِشَيْءٍ. وَهَذَا جَدِيدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: يَرْجِعُ عَلَى مَوْلَاهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُسْتَوْفَى مِنْهُ بِسَبَبٍ كَانَ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ، فَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ
وَلَنَا أَنَّهَا مَنْفَعَةٌ اُسْتُحِقَّتْ بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِبَدَلِهَا. كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا بَعْدَ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا، فَإِنَّ مَا يَسْتَوْفِيه السَّيِّدُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ. وَيُخَالِفُ الْمُكْرَهَ؛ فَإِنَّهُ تَعَدَّى بِذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْعَبْدِ الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ أَوْ الْإِمْضَاءِ، كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ، لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ ثَمَّ. وَلَنَا، أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ عَقَدَهُ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ، فَلَا يَنْفَسِخُ بِالْعِتْقِ، وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ نَفَقَةَ الْعَبْدِ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَهِيَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَتْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً عَلَيْهِ، فَهِيَ عَلَى مُعْتِقِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ عِوَضَ نَفْعِهِ
وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِالْإِجَارَةِ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَتَهُ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَفَقَتِهِ، لَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهَا عَلَى الْمَوْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute