للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُجُورِكُمْ.

وَقَالَ: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: ٢٣] . وَحَرُمَ حَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَأَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ. وَقَالَ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] . وَأُبِيحَ الْقَصْرُ بِدُونِ الْخَوْفِ. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمَةِ، فَالتَّنْصِيصُ عَلَى أَحَدِهِمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ.» ثَبَتَ حُكْمُهُ فِي حَقِّ الْأَمَةِ، ثُمَّ إنَّ الْمَنْطُوقَ أَوْلَى مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا أَبُو ثَوْرٍ، فَخَالَفَ نَصَّ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] . وَعَمِلَ بِهِ فِيمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ، وَخَرَقَ الْإِجْمَاعَ فِي إيجَابِ الرَّجْمِ عَلَى الْمُحْصَنَاتِ، كَمَا خَرَقَ دَاوُد الْإِجْمَاعَ فِي تَكْمِيلِ الْجَلْدِ عَلَى الْعَبِيدِ، وَتَضْعِيفِ حَدِّ الْأَبْكَارِ عَلَى الْمُحْصَنَاتِ

[فَصْلٌ هَلْ يَغْرُب الْعَبْد وَالْأَمَة إذَا زَنَيَا]

(٧١٥١) فَصْلٌ: وَلَا تَغْرِيبَ عَلَى عَبْدٍ وَلَا أَمَةٍ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: يُغَرَّبُ نِصْفَ عَامٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] وَحَدَّ ابْنُ عُمَرَ مَمْلُوكَةً لَهُ، وَنَفَاهَا إلَى فَدَكَ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» .

وَلَنَا، الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي حُجَّتِنَا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَغْرِيبًا، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِهِ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمْ الْحَدَّ، مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ؛ فَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَنَتْ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ غَرَّبَهَا. وَأَمَّا الْآيَةُ، فَإِنَّهَا حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّ الْعَذَابَ الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ مِائَةُ جَلْدَةٍ لَا غَيْرُ، فَيَنْصَرِفُ التَّنْصِيفُ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى تَنْصِيفِ الرَّجْمِ، وَلِأَنَّ التَّغْرِيبَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ عُقُوبَةٌ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ، فَلَمْ يَجِبْ فِي الزِّنَى، كَالتَّغْرِيمِ، بَيَانُ ذَلِكَ، أَنَّ الْعَبْدَ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي تَغْرِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرِيبٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَيُتْرِفُهُ بِتَغْرِيبِهِ مِنْ الْخِدْمَةِ، وَيَتَضَرَّرُ سَيِّدُهُ بِتَفْوِيتِ خِدْمَتِهِ، وَالْخَطَرِ بِخُرُوجِهِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ، وَالْكُلْفَةِ فِي حِفْظِهِ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مَعَ بُعْدِهِ عَنْهُ، فَيَصِيرُ الْحَدُّ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الزَّانِي، وَالضَّرَرُ عَلَى غَيْرِ الْجَانِي، وَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ، فَفِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِسْقَاطِ حَقِّهِ، وَلَهُ فِعْلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ زِنًى وَلَا جِنَايَةٍ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ

[فَصْلٌ زَنَى الْعَبْد ثُمَّ عِتْق]

(٧١٥٢) فَصْلٌ: وَإِذَا زَنَى الْعَبْدُ، ثُمَّ عَتَقَ، حُدَّ حَدَّ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ. وَلَوْ زَنَى حُرٌّ ذِمِّيٌّ، ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ سُبِيَ وَاسْتُرِقَّ، حُدَّ حَدَّ الْأَحْرَارِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ حُرٌّ. وَلَوْ كَانَ أَحَدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>