للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَوَاءٌ، وَإِنْ ضَاقَ عَنْ قَضَائِهِمَا، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. وَهُوَ اخْتِيَارُ التَّمِيمِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ يَجِبُ قَضَاؤُهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، لَمْ يَخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِرَهْنٍ، فَاسْتَوَيَا، كَمَا لَوْ ثَبَتَا بِبَيِّنَةٍ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ لَا يُحَاصَّ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ؛ لِنَصِّ أَحْمَدَ فِي الْمُفْلِسِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ، يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ الَّذِي بِالْبَيِّنَةِ.

وَبِهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْي؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِتَرِكَتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُشَارِكَ الْمُقَرُّ لَهُ مَنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ بِبَيِّنَةٍ، كَغَرِيمِ الْمُفْلِسِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِمَالِهِ، مَنْعُهُ مِنْ التَّبَرُّعِ وَمِنْ الْإِقْرَارِ لَوَارِثٍ؛ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَا تَنْفُذُ هِبَاتُهُ وَتَبَرُّعَاتُهُ، فَلَمْ يُشَارِكْ مَنْ أَقَرَّ لَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ، وَمَنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ بِبَيِّنَةٍ، كَاَلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمُفْلِسُ. وَإِنْ أَقَرَّ لَهُمَا جَمِيعًا فِي الْمَرَضِ، تَسَاوَيَا، وَلَمْ يُقَدَّمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْحَالِ، فَأَشْبَهَا غَرِيمَيْ الصِّحَّةِ. "

[مَسْأَلَةٌ الْإِقْرَار لِوَارِثِ]

(٣٩٠٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ، لَمْ يَلْزَمْ بَاقِي الْوَرَثَةِ قَبُولُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) وَبِهَذَا قَالَ شُرَيْحٌ، وَأَبُو هَاشِمٍ، وَابْنُ أُذَيْنَةَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ: يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ الْإِقْرَارُ لَهُ فِي الصِّحَّةِ، صَحَّ فِي الْمَرَضِ، كَالْأَجْنَبِيِّ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ.

وَقَالَ مَالِكٌ يَصِحُّ إذَا لَمْ يُتَّهَمْ، وَيَبْطُلُ إنْ اُتُّهِمَ، كَمَنْ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ عَمٍّ، فَأَقَرَّ لِابْنَتِهِ، لَمْ يُقْبَلْ، وَإِنْ أَقَرَّ لِابْنِ عَمِّهِ، قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِي أَنَّهُ يَزْوِي ابْنَتَهُ وَيُوصِلُ الْمَالَ إلَى ابْنِ عَمِّهِ، وَعِلَّةُ مَنْعِ الْإِقْرَارِ التُّهْمَةُ، فَاخْتَصَّ الْمَنْعُ بِمَوْضِعِهَا. وَلَنَا أَنَّهُ إيصَالٌ لِمَالِهِ إلَى وَارِثِهِ بِقَوْلِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ رِضَى بَقِيَّةِ وَرَثَتِهِ، كَهِبَتِهِ، وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ، فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَهُ، كَالصَّبِيِّ فِي حَقِّ جَمِيعِ النَّاسِ. وَفَارَقَ الْأَجْنَبِيَّ؛ فَإِنَّ هِبَتَهُ لَهُ تَصِحُّ. وَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ التُّهْمَةَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا بِنَفْسِهَا، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا بِمَظِنَّتِهَا وَهُوَ الْإِرْثُ، وَكَذَلِكَ اُعْتُبِرَ فِي الْوَصِيَّةِ وَالتَّبَرُّعِ وَغَيْرِهِمَا.

[فَصْلٌ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ دُونَهُ]

(٣٩٠٤) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ دُونَهُ، صَحَّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. لَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا إلَّا الشَّعْبِيَّ قَالَ: لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِوَارِثٍ. وَلَنَا، أَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَا تَحَقَّقَ سَبَبُهُ، وَعُلِمَ وُجُودُهُ، وَلَمْ تُعْلَمْ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>