وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّرْجِيحِ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُمْ يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارِ عُبُورِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَلَيْسَ هَذَا أَوْلَى مِنْ إضْمَارِ التَّكْرَارِ، فَيَتَسَاوَيَانِ، وَيَسْلَمُ التَّرْجِيحُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْل فِي ضَمِّ الدَّمِ إلَى الدَّمِ الَّذِينَ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ]
فَصْلٌ: فِي التَّلْفِيقِ وَمَعْنَاهُ ضَمُّ الدَّمِ إلَى الدَّمِ الَّذِينَ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الطُّهْرَ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضَةِ طُهْرٌ صَحِيحٌ، فَإِذَا رَأَتْ يَوْمًا طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا، وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَإِنَّهَا تَضُمُّ الدَّمَ إلَى الدَّمِ، فَيَكُونُ حَيْضًا، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النَّقَاءِ طُهْرٌ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَمَنُ الدَّمِ أَكْثَرَ مِنْ زَمَنِ الطُّهْرِ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ مِثْلُ أَنْ تَرَى يَوْمَيْنِ دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا، أَوْ يَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ جَمِيعَ الدَّمِ حَيْضٌ إذَا تَكَرَّرَ وَلَمْ يُجَاوِزْ لِمُدَّةِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، فَإِنْ كَانَ الدَّمُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ مِثْلُ أَنْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفَهُ طُهْرًا، أَوْ سَاعَةً وَسَاعَةً فَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ كَالْأَيَّامِ يُضَمُّ الدَّمُ إلَى الدَّمِ، فَيَكُونُ حَيْضًا، وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ، إذَا بَلَغَ الْمُجْتَمِعُ مِنْهُ أَقَلَّ الْحَيْضِ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، لَا يَكُونُ الدَّمُ حَيْضًا، إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ حَيْضٌ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ.
وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَلَهُ قَوْلٌ فِي النَّقَاءِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَنَّهُ حَيْضٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَذَكَرْنَا أَيْضًا وَجْهًا لَنَا فِي أَنَّ النَّقَاءَ مَتَى كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ طُهْرًا. فَعَلَى هَذَا مَتَى نَقَصَ النَّقَاءُ عَنْ يَوْمٍ كَانَ الدَّمُ وَمَا بَيْنَهُ حَيْضًا كُلَّهُ، فَإِنْ جَاوَزَ الدَّمُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، مِثْلُ أَنْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً، أَوْ مُمَيِّزَةً، أَوْ لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ، أَوْ يُوجَدُ فِي حَقِّهَا الْأَمْرَانِ.
فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ، فَهَذِهِ تَجْلِسُ أَوَّلَ يَوْمٍ تَرَى الدَّمَ فِيهِ فِي الْعَادَةِ، وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ، وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الطُّهْرِ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضَةِ؛ هَلْ يَمْنَعُ مَا بَعْدَهُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، أَوْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا يَمْنَعُ، فَحَيْضُهَا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ خَاصَّةً وَمَا بَعْدَهُ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْنَعُ، فَحَيْضُهَا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ، وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ، فَيَحْصُلُ لَهَا مِنْ عَادَتِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ، وَفِي وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ يُلَفَّقُ لَهَا الْخَمْسَةُ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ جَمِيعِهَا، فَتَجْلِسُ السَّابِعَ وَالتَّاسِعَ.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ لَيْسَا مِنْ عَادَتِهَا فَلَا. تَجْلِسُهُمَا كَغَيْرِ الْمُلَفِّقَةِ. وَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً جَلَسَتْ زَمَانَ الدَّمِ الْأُسُودِ مِنْ الْأَيَّامِ، فَكَانَ حَيْضَهَا وَبَاقِيهِ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً جَلَسَتْ الْيَقِينَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، مِنْ أَوَّلِ دَمٍ تَرَاهُ، أَوْ فِي شَهْرَيْنِ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى سِتَّةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ. وَهَلْ يُلَفَّقُ لَهَا السَّبْعَةُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَوْ تَجْلِسُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ مِنْ سَبْعَةِ أَيَّامٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ عَادَتُهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا قُلْنَا تَجْلِسُ زَمَانَ الدَّمِ مِنْ سَبْعَةٍ، جَلَسَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute