[بَاب الْأَذَان]
ِ الْأَذَانُ إعْلَامٌ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ. وَالْأَصْلُ فِي الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٣] أَيْ: إعْلَامٌ، وَ: {آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنبياء: ١٠٩] أَيْ أَعْلَمْتُكُمْ، فَاسْتَوَيْنَا فِي الْعِلْمِ. وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ ... رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ
أَيْ: أَعْلَمَتْنَا. وَالْأَذَانُ الشَّرْعِيُّ هُوَ اللَّفْظُ الْمَعْلُومُ الْمَشْرُوعُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لِلْإِعْلَامِ بِوَقْتِهَا. وَفِيهِ فَضْلٌ كَثِيرٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ، بِدَلِيلِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ» . وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «إذَا كُنْتَ فِي غَنَمِك، أَوْ بَادِيَتِك، فَأَذَّنْت بِالصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَخْرَجَهُمَا الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ أُرَاهُ قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَغْبِطُهُمْ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، رَجُلٌ نَادَى بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ وَرَجُلٌ يَؤُمُّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ، وَعَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
[فَصْلٌ هَلْ الْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ]
(٥٥٣) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ، هَلْ الْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ، أَوْ لَا؟ فَرُوِيَ أَنَّ الْإِمَامَةَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ، وَلَمْ يَتَوَلَّوْا الْأَذَانَ، وَلَا يَخْتَارُونَ إلَّا الْأَفْضَلَ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَةَ يُخْتَارُ لَهَا مَنْ هُوَ أَكْمَلُ حَالًا وَأَفْضَلُ، وَاعْتِبَارُ فَضِيلَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ مَنْزِلَتِهِ. وَالثَّانِيَةُ: الْأَذَانُ أَفْضَلُ.
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ فِي فَضِيلَتِهِ، وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute