[مَسْأَلَةٌ النِّكَاح إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوِيّ الْكَافِرَةِ كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ وَثَنِيًّا]
(٥٣٩٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْ الْكَافِرَةِ كِتَابِيًّا، وَالْآخَرُ وَثَنِيًّا، لَمْ يَنْكِحْهَا مُسْلِمٌ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْ الْكِتَابِيَّةِ غَيْرَ كِتَابِيٍّ، لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا، سَوَاءٌ كَانَ وَثَنِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، فِيمَا إذَا كَانَ الْأَبُ غَيْرَ كِتَابِيٍّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ، وَيَشْرُفُ بِشَرَفِهِ وَيُنْسَبُ إلَى قَبِيلَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ فَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ. وَلَنَا، أَنَّهَا غَيْرُ مُتَمَحِّضَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلَمْ يَجُزْ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُهَا، كَمَا لَوْ كَانَ أَبُوهَا وَثَنِيًّا، وَلِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ مَنْ يَحِلُّ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَحِلُّ، فَلَمْ يَحِلَّ، كَالسِّمْعِ وَالْبَغْلِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَحِلَّ بِكُلِّ حَالٍ، لَدُخُولِهَا فِي عُمُومِ الْآيَةِ الْمُبِيحَةِ، وَلِأَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ تُقَرُّ عَلَى دِينِهَا، فَأَشْبَهَتْ مَنْ أَبَوَاهَا كِتَابِيَّانِ. وَالْحُكْمُ فِي مَنْ أَبَوَاهَا غَيْرُ كِتَابِيَّيْنِ، كَالْحُكْمِ فِي مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إذَا حُرِّمَتْ لِكَوْنِ أَحَدِ أَبَوَيْهَا وَثَنِيًّا، فَلَأَنْ تُحَرَّمَ إذَا كَانَا وَثَنِيَّيْنِ أَوْلَى. وَالِاحْتِمَالُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ثَمَّ مُتَحَقِّقٌ هَاهُنَا، اعْتِبَارًا بِحَالِ نَفْسِهَا دُونَ أَبَوَيْهَا.
[مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً فَانْتَقَلَتْ إلَى دِينٍ آخَر مِنْ الْكُفْرِ غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ]
(٥٣٩١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً، فَانْتَقَلَتْ إلَى دِينٍ آخَرَ مِنْ الْكُفْرِ غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أُجْبِرَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، انْفَسَخَ نِكَاحُهَا) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ أَرْبَعَةٍ: (٥٣٩٢) الْأَوَّلُ: أَنَّ الْكِتَابِيَّ إذَا انْتَقَلَ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، لَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، فَإِنَّهُ إذَا انْتَقَلَ إلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ أَهْلُهُ بِالْجِزْيَةِ، كَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَغَيْرِهَا، مِمَّا يَسْتَحْسِنُهُ، فَالْأَصْلِيُّ مِنْهُمْ لَا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ، فَالْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ أَوْلَى.
وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى الْمَجُوسِيَّةِ، لَمْ يُقَرَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى أَنْقَصَ مِنْ دِينِهِ، فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ، كَالْمُسْلِمِ إذَا ارْتَدَّ. فَأَمَّا إنْ انْتَقَلَ إلَى دِينٍ آخَرَ مِنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَالْيَهُودِيِّ يَتَنَصَّرُ، أَوْ النَّصْرَانِيِّ يَتَهَوَّدُ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يُقَرُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى دِينٍ بَاطِلٍ، قَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِهِ، فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ، كَالْمُرْتَدِّ. وَالثَّانِيَةُ، يُقَرُّ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتِيَارُ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمُنْتَقِلِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ. كَالرِّوَايَتَيْنِ. فَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ إذَا انْتَقَلَ إلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، لَمْ يُقَرَّ، كَأَهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ. وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، خُرِّجَ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ، وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ بَدَّلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute