وَلَنَا، مَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسْهِمُ لِلْخَيْلِ، وَكَانَ لَا يُسْهِمُ لِلرَّجُلِ فَوْقَ فَرَسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ أَفْرَاسٍ. وَعَنْ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، أَنْ يُسْهِمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلْفَرَسَيْنِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِهِمَا سَهْمٌ، فَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَمَا كَانَ فَوْقَ الْفَرَسَيْنِ فَهِيَ جَنَائِبُ. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ، فِي " سُنَنِهِ ". وَلِأَنَّ بِهِ إلَى الثَّانِي حَاجَةً، فَإِنَّ إدَامَةَ رُكُوبِ وَاحِدٍ تُضْعِفُهُ، وَتَمْنَعُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ، فَيُسْهَمُ لَهُ كَالْأَوَّلِ، بِخِلَافِ الثَّالِثِ، فَإِنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ.
[مَسْأَلَة غَزَا عَلَى بَعِيرٍ هَلْ يُسْهَم لَهُ]
(٧٤٩٦) قَالَ: (وَمَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ، قُسِمَ لَهُ وَلِبَعِيرِهِ سَهْمَانِ) نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلْبَعِيرِ مَعَ إمْكَانِ الْغَزْوِ عَلَى فَرَسٍ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْبَعِيرِ سَهْمٌ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ غَيْرِهِ. وَحُكِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: ٦] . وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ، فَيُسْهَمُ لَهُ، كَالْفَرَسِ. يُحَقِّقُهُ أَنَّ تَجْوِيزَ الْمُسَابَقَةِ بِعِوَضٍ إنَّمَا أُبِيحَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا آلَاتُ الْجِهَادِ، فَأُبِيحَ أَخْذُ الرَّهْنِ فِي الْمُسَابَقَةِ بِهَا، تَحْرِيضًا عَلَى رِيَاضَتِهَا، وَتَعَلُّمِ الْإِتْقَانِ فِيهَا، وَلَا يُزَادُ عَلَى سَهْمِ الْبِرْذَوْنِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ، وَلَا يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الْوَقْعَةَ عَلَيْهِ، وَيَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا هَذِهِ الْإِبِلُ الثَّقِيلَةُ، الَّتِي لَا تَصْلُحُ إلَّا لِلْحَمْلِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ رَاكِبُهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكِرُّ وَلَا تَفِرُّ، فَرَاكِبُهَا أَدْنَى حَالٍ مِنْ الرَّاجِلِ.
وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ بِحَالٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ مَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ، فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ. كَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ، وَمَكْحُولٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِغَيْرِ الْخَيْلِ مِنْ الْبَهَائِمِ، وَقَدْ كَانَ مَعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعُونَ بَعِيرًا، وَلَمْ تَخْلُ غَزَاةٌ مِنْ غَزَوَاتِهِ مِنْ الْإِبِلِ، بَلْ هِيَ كَانَتْ غَالِبُ دَوَابِّهِمْ، فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لَهَا، وَلَوْ أَسْهَمَ لَهَا لَنُقِلَ، وَكَذَلِكَ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خُلَفَائِهِ وَغَيْرِهِمْ، مَعَ كَثْرَةِ غَزَوَاتِهِمْ، لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِيمَا عَلِمْنَاهُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِبَعِيرٍ، وَلَوْ أَسْهَمَ لِبَعِيرٍ لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ صَاحِبُهُ مِنْ الْكَرِّ وَالْفَرِّ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ، كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ.
(٧٤٩٧) فَصْلٌ: وَمَا عَدَا الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ، مِنْ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْفِيَلَةِ وَغَيْرِهَا، لَا يُسْهَمُ لَهَا، بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ عَظُمَ غَنَاؤُهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute