وَلَنَا: قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: ٢٢٨] وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا، وَلَا كَمَلَ عَدَدُ طَلَاقِهَا، وَلَا طَلَّقَهَا بِعِوَضٍ فَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، كَمَا لَوْ أَصَابَهَا. وَلَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَالسُّكْنَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَنْ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ.
وَلَا تَثْبُتُ بِهَا الْإِبَاحَةُ لِلزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِامْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ ، لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك.» وَلَا الْإِحْصَانُ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِإِيجَابِ الْحَدِّ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَا الْغُسْلُ لِأَنَّ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ خَمْسَةٌ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا. وَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْعُنَّةِ؛ لِأَنَّ الْعُنَّةَ الْعَجْزُ عَنْ الْوَطْءِ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ. وَلَا تَحْصُلُ بِهِ الْفَيْئَةُ، لِأَنَّهَا الرُّجُوعُ عَمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِنَفْسِ الْوَطْءِ. وَلَا تَفْسُدُ بِهِ الْعِبَادَاتُ. وَلَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ.
وَأَمَّا تَحْرِيمُ الرَّبِيبَةِ، فَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْخَلْوَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا تُحَرَّمُ. وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ مَعَ الْخَلْوَةِ نَظَرٌ أَوْ مُبَاشَرَةٌ، فَيُخَرَّجُ كَلَامُهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّمُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُحَرَّمُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٣] وَالدُّخُولُ كِنَايَةٌ عَنْ الْوَطْءِ، وَالنَّصُّ صَرِيحٌ فِي إبَاحَتِهَا بِدُونِهِ، فَلَا يَجُوزُ خِلَافُهُ.
[مَسْأَلَة خَلَا بِهَا وَبِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ]
(٥٦١٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَسَوَاءٌ خَلَا بِهَا وَهُمَا مُحْرِمَانِ، أَوْ صَائِمَانِ، أَوْ حَائِضٌ، أَوْ سَالِمَانِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا خَلَا بِهَا، وَبِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ، كَالْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، أَوْ مَانِعٌ حَقِيقِيٌّ، كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، أَوْ الرَّتْقِ فِي الْمَرْأَةِ، فَعَنْهُ أَنَّ الصَّدَاقَ يَسْتَقِرُّ بِكُلِّ حَالٍ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيُّ لِعُمُومِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ.
وَقَالَ عُمَرُ فِي الْعِنِّينِ: يُؤَجَّلُ سَنَةً، فَإِنْ هُوَ غَشِيَهَا، وَإِلَّا أَخَذَتْ الصَّدَاقَ كَامِلًا، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ. وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا قَدْ وُجِدَ، وَإِنَّمَا الْحَيْضُ وَالْإِحْرَامُ وَالرَّتْقُ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَهْرِ، كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ النَّفَقَةِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ بِهِ الصَّدَاقُ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَسَلُّمِهَا، فَلَمْ تَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ مَهْرًا بِمَنْعِهَا، كَمَا لَوْ مَنَعَتْ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا إلَيْهِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّسْلِيمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ الْعَاقِدِ كَالْإِجَارَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute